تجمع مكة المكرمة الصحي.

قفزة رقمية في قلب مكة .. تدشين مستشفى افتراضي يغيّر مشهد الرعاية الصحية

كتب بواسطة: محمد وزان |

في خطوة استراتيجية تعكس تطور المشهد الصحي في المملكة، أعلن تجمع مكة المكرمة الصحي عن إطلاق مشروع “مستشفى مكة الافتراضي”، والذي يُدار من خلال مدينة الملك عبدالله الطبية، ويهدف إلى تعزيز تقديم الرعاية التخصصية عن بُعد، كجزء من مبادرات التحول الصحي الوطني المرتبطة برؤية المملكة 2030، ويُنتظر أن يُحدث المشروع نقلة نوعية في الخدمات الطبية الرقمية بمنطقة مكة.

ولا يعد هذا المستشفى الافتراضي مجرد منصة تقنية، بل يمثل تحولاً في فلسفة تقديم الرعاية، حيث يوفر أكثر من 60 عيادة افتراضية أسبوعياً تغطي تخصصات متعددة، مع خطة مستقبلية لزيادة العدد إلى 100 عيادة، مما يساهم في توسيع الوصول إلى الاستشارات التخصصية دون الحاجة إلى التنقل، ويخفف الضغط عن المستشفيات الفعلية.

إقرأ ايضاً:

جدل واسع بين التجار .. 72 اشتراط صارم يقلب موازين البائع المتجول في السعوديةمفاجأة سارة .. تحديثات نوعية على تطبيق حساب المواطن تغيّر تجربة المستفيدين بالكامل

وتجاوزت الزيارات الافتراضية حاجز 14,200 زيارة منذ بداية عام 2025، وهو ما يعكس تزايد اعتماد المرضى على هذا النموذج الحديث في تلقي الرعاية، خاصة في ظل الظروف التي تفرضها الحياة اليومية السريعة، والحاجة إلى خدمات صحية مرنة وفعالة تلبي الاحتياجات المختلفة للمجتمع.

ومن المبادرات الرائدة ضمن المشروع، خدمة المتابعة الذكية لمرضى قصور عضلة القلب، التي تعتمد على تقنيات قابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، إلى جانب أجهزة منزلية لقياس الضغط والوزن، مما يتيح مراقبة مؤشرات المريض الحيوية لحظياً، وتمكين الطاقم الطبي من التدخل السريع في حال ظهور أي أعراض مقلقة.

وقد تم توظيف هذه التقنيات الحديثة خلال موسم الحج الماضي بنجاح ملحوظ، حيث استخدمت لمراقبة حالة عدد من الحجاج الذين يعانون من أمراض مزمنة، وساهمت في تحسين جودة الرعاية والاستجابة الطبية الفورية، مما يؤكد فعالية هذه التقنيات في البيئات الصحية ذات الكثافة العالية.

كما شمل المشروع تفعيل تقنية Tele-ICU، والتي تتيح الربط بين المستشفى الافتراضي وعدد من مستشفيات المنطقة مثل مستشفى الولادة والأطفال ومستشفى أجياد، وذلك لمراقبة الحالات الحرجة عن بُعد وتقديم الإرشادات الطبية المتخصصة، مما يسهم في تحسين فرص البقاء وتقليل مضاعفات الحالات الحرجة.

ويمتد نطاق التطوير في المستشفى الافتراضي ليشمل مبادرات قادمة، من بينها ربط أقسام قسطرة القلب بمستشفيات مكة، بما يسمح بالتقييم الفوري لحالات القلب الطارئة واتخاذ القرارات التداخلية في وقت قياسي، دون الحاجة لنقل المرضى أو انتظار استشارة ميدانية.

ويجري العمل كذلك على تطوير آلية الاجتماعات الافتراضية متعددة التخصصات، لمناقشة الحالات المعقدة مثل الأورام، حيث يتم إشراك مجموعة من الاستشاريين في تقييم الحالة ووضع خطة علاج متكاملة، تضمن اتخاذ القرار الأفضل في الوقت المناسب للمريض.

وفي مسار موازٍ، يجري العمل على إنشاء مسارات افتراضية للتعامل مع الجلطات الدماغية، بالتنسيق مع غرف الطوارئ والعيادات الافتراضية، وهو ما يساعد على اختصار الزمن التشخيصي، وتقديم العلاج ضمن "النافذة الذهبية"، مما يحسن النتائج العلاجية بشكل ملحوظ.

وأكد تجمع مكة الصحي أن هذه المبادرة تمثل نقطة تحول في مفهوم الرعاية، حيث لم تعد تقتصر على التدخل عند ظهور المرض، بل انتقلت إلى نموذج وقائي واستباقي يعتمد على المتابعة المستمرة، وهو ما يسهم في تقليل معدلات التنويم، ورفع جودة حياة المرضى، وتحسين استخدام الموارد الصحية.

ويتماشى المشروع مع مستهدفات التحول الصحي في المملكة، التي تسعى إلى تحسين التكامل بين الخدمات الصحية، ورفع كفاءة الأداء الطبي في مناطق الضغط المرتفع، خاصة خلال مواسم مثل الحج والعمرة، التي تتطلب جاهزية قصوى واستجابة فورية للحالات الطارئة.

ويؤكد القائمون على المشروع أن المستشفى الافتراضي ليس بديلاً للمستشفيات الميدانية، بل هو مكمل لها، يعزز قدرتها على تقديم رعاية مركزة ودقيقة، ويقلل من عبء الانتظار والازدحام، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في التخصصات الدقيقة أو بعد المسافة الجغرافية.

ويحظى المشروع بدعم كبير من وزارة الصحة ضمن منظومة التحول الرقمي، التي تهدف إلى تحسين تجربة المريض، وتوفير خدمات صحية رقمية قائمة على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، بما يسهم في اتخاذ قرارات علاجية دقيقة وسريعة.

وفي ظل هذه الطفرة الرقمية، يُنتظر أن يشكل “مستشفى مكة الافتراضي” نموذجاً يُحتذى به في مختلف مناطق المملكة، حيث تزداد الحاجة إلى حلول مبتكرة للرعاية، تتماشى مع النمو السكاني والتحديات الصحية المتغيرة، وتستند إلى البنية الرقمية المتقدمة التي تطورها المملكة بشكل متسارع.

ويرى المراقبون أن المشروع يُمثل تتويجاً لرؤية مستقبلية واعدة، تعيد صياغة العلاقة بين الطبيب والمريض، وتجعل التكنولوجيا شريكاً فاعلاً في العلاج، دون المساس بجودة التواصل الإنساني أو تقليل أهمية الرعاية المباشرة حين تستدعي الحاجة.

ويعكس المشروع التزام المملكة بتطبيق أفضل الممارسات العالمية في قطاع الصحة، كما يشير إلى مدى التقدم الذي أحرزته مكة المكرمة في استيعاب الحلول الرقمية وتطويعها لخدمة الملايين من السكان والزوار والحجاج سنوياً، بما يضمن استدامة الخدمة الصحية وتحقيق الكفاءة التشغيلية.

ويُتوقع أن يستمر المستشفى الافتراضي في التوسع، ليغطي حالات أكثر تعقيداً، ويعزز التعاون مع الجهات التعليمية والأكاديمية والطبية، لبناء نموذج متكامل من الرعاية يعتمد على الذكاء الاصطناعي والبيانات السريرية، ويضع المملكة في مقدمة الدول الرائدة في الطب الرقمي.

هذا الإنجاز الجديد، الذي يجمع بين التخصص الطبي والابتكار التكنولوجي، يُعد خطوة على طريق بناء نظام صحي ذكي ومتصل، يضع الإنسان في قلب أولوياته، ويجعل من التطور الرقمي وسيلة للارتقاء بالخدمة وتحقيق العدالة الصحية على أوسع نطاق.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار