في خطوة تعكس طموحات المملكة نحو مستقبل تنقلي ذكي ومستدام، أعلنت الهيئة العامة للطرق أن كود الطرق السعودي الجديد أصبح المرجع الفني الأساسي لمعايير البنية التحتية الخاصة بالمركبات ذاتية القيادة، في إطار جهودها المستمرة للارتقاء بمستوى السلامة والكفاءة في شبكة الطرق على امتداد المملكة، وتحسين جودة الحياة بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
والكود الذي تم تطويره بعناية ليكون شاملاً وموحداً، يضع الأسس الفنية الضرورية لتصميم وتنفيذ الطرق القادرة على دعم حركة المركبات ذاتية القيادة، وهي تقنية آخذة في التوسع عالمياً وتشكل ملامح المستقبل في قطاع النقل، ويشمل الكود معايير دقيقة تتعلق بتركيبة الطريق، وأنظمة الاتصال، والبنية الذكية التفاعلية، لضمان قيادة آمنة ومستقرة في مختلف الظروف المناخية والجغرافية.
إقرأ ايضاً:
طريق جديد يفتح أبواب السياحة لعشرات الآلاف .. صلالة تستقبل السعوديين وترحب بهم بعروض استثنائية200 لاعب يتنافسون ... بن جلوي يتصدر المشهد في بطولة الرياض المفتوحة!وأوضحت الهيئة أن من أبرز عناصر الكود تحديد سماكة رصف الطرق بما يراعي تكرار مرور المركبات الذاتية على المسارات نفسها، وهو أمر بالغ الأهمية لتقليل تآكل الطرق وتحقيق الاستدامة في بنيتها التحتية، كما شملت المعايير تركيب أجهزة اتصال متقدمة على جانبي الطريق، توفر للمركبات بيانات لحظية عن حالة الطريق، مما يسهم في تحسين قدرة الأنظمة الذاتية على اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة أثناء القيادة.
ولم يغفل الكود أهمية وضوح الخطوط الأرضية واللافتات، فاشترط تنفيذها بشكل يجعلها مقروءة بوضوح للأنظمة البصرية والرقمية في المركبات الذاتية، حتى في الأحوال الجوية الصعبة مثل الغبار أو الأمطار الغزيرة، وهو ما يعزز من قدرة هذه المركبات على العمل بأمان وفاعلية في مختلف الأوقات وعلى امتداد المملكة.
وكذلك تضمنت المعايير تهيئة المواقف العامة والخاصة بحيث تتكامل مع أنظمة القيادة الذاتية، من خلال دمج تقنيات مثل الاستشعار الذكي للفراغات، ونظم الركن التلقائي، مما يسهل حركة المركبات ويقلل من الازدحام الناتج عن البحث عن مواقف شاغرة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على انسيابية الحركة داخل المدن.
وتمثل هذه الخطوة تحولاً نوعياً في سياسة تطوير الطرق بالمملكة، إذ لا تقتصر فقط على تحسين البنية التحتية التقليدية، بل تشمل تبني معايير حديثة تستجيب للتطور التكنولوجي المتسارع في قطاع النقل الذكي، وهو ما يعكس نضج الرؤية التخطيطية لدى الجهات المعنية، ويجعل المملكة في طليعة الدول التي تبني شبكات طرق ذكية ملائمة لمستقبل القيادة الذاتية.
وأكدت الهيئة العامة للطرق أن الكود يمثل مرجعاً فنياً متكاملاً لجميع الجهات الحكومية والبلدية وهيئات تطوير المدن، بما يمكنها من تنفيذ مشاريع الطرق وفق معايير موحدة، تضمن تكامل البنية التحتية وتعزيز كفاءة الصيانة والتشغيل، بما يخدم المستخدم النهائي ويرفع من مستويات الأمان على الطرق العامة والخاصة.
وقد جرى العمل على الكود في مراحل متعددة، حيث بدأ تطبيقه بشكل استرشادي حتى نهاية العام الماضي، ليتم تفعيله رسمياً على الجهات الحكومية مع بداية العام الجاري، فيما أصبح ساري التطبيق على القطاع الخاص منذ منتصف هذا العام، ما يعني دخول المملكة فعلياً في مرحلة التنفيذ الشامل لمنظومة الطرق الذكية.
وتُولي الهيئة أهمية كبرى للمركبات ذاتية القيادة باعتبارها من ركائز النقل المستقبلي، حيث توفر حلولاً مبتكرة لتقليل الحوادث الناتجة عن الخطأ البشري، وتسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة استهلاك الوقود، فضلاً عن توفير الوقت والجهد، وهي عناصر حيوية تتقاطع بشكل مباشر مع مستهدفات التنمية المستدامة في المملكة.
ويأتي هذا التطور بالتزامن مع التوجهات العالمية نحو اعتماد أنظمة النقل الذكية، التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، وهو ما يتطلب جاهزية بنية تحتية متكاملة يمكنها التفاعل مع هذه التقنيات، وتوفير بيئة موثوقة وآمنة لحركة المركبات ذاتية القيادة على نطاق واسع.
وتعمل الهيئة ضمن منظومة تنسيق مشترك مع الجهات ذات العلاقة، لضمان توافق الخطط والسياسات، وضمان فعالية التنفيذ على أرض الواقع، كما تسعى لتطوير قدرات الكوادر الفنية في هذا المجال، من خلال برامج تدريبية وشراكات استراتيجية مع مراكز البحوث والتطوير المحلية والدولية.
ويُعد كود الطرق السعودي من أوائل الأكواد في المنطقة التي تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المركبات ذاتية القيادة بشكل تفصيلي، مما يفتح الباب واسعاً أمام استثمارات جديدة في قطاع النقل الذكي، ويمنح الثقة للمصنعين والمطورين لتجربة تقنياتهم ضمن بيئة تنظيمية واضحة وداعمة.
كما يسهم هذا الكود في تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي على مشاريع الطرق، من خلال تقليل الهدر الناتج عن تصميمات لا تتوافق مع المتطلبات المستقبلية، ويشجع على تبني حلول أكثر مرونة واستدامة في بناء وصيانة الطرق، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني ومستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.
وترى الهيئة العامة للطرق أن مستقبل النقل في المملكة بات يرتكز على الابتكار، وهو ما يستدعي مراجعة مستمرة للمعايير والأنظمة، وتحديثها بما يتناسب مع المستجدات التقنية، لضمان جاهزية المملكة لأي تطورات تكنولوجية في هذا المجال الحيوي والحساس.
وتنطلق هذه الجهود من رؤية استراتيجية شاملة تجعل من قطاع الطرق أحد محاور التنمية المتقدمة، وتطمح إلى أن تكون المملكة نموذجاً رائداً في بناء مدن ذكية ترتكز على بنية تحتية رقمية قوية وآمنة، تدعم الاستخدام المتزايد للتقنيات الحديثة، وتوفر حلولاً فعالة ومستدامة في التنقل والخدمات اللوجستية.
والتحول الجاري يعكس إرادة سياسية واضحة نحو تسريع وتيرة التقدم في قطاع النقل، ويدل على وعي مؤسساتي بأهمية تبني التكنولوجيا بشكل مدروس ومدعوم بالتشريعات، بما يضمن تكامل الجهود الوطنية ويؤسس لمرحلة جديدة من الخدمات الذكية في المملكة.
ويُتوقع أن تسهم هذه الخطوة في تقليل نسبة الحوادث المرورية بشكل كبير، ورفع جودة تجربة التنقل للأفراد والمجتمعات، وتحفيز تبني المركبات ذاتية القيادة على نطاق أوسع خلال السنوات القادمة، مما يدفع بالمملكة نحو موقع متقدم على خارطة الابتكار العالمي في البنية التحتية والنقل الذكي.