في كلمة حاسمة ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية لندوة أوبك الدولية التاسعة بالعاصمة النمساوية فيينا، وجه وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان تحذيراً لافتاً من أن التحول الطاقي العالمي، إذا لم يُنفذ بطريقة واقعية ومتزنة، قد يشكل تهديداً مباشراً على النمو الاقتصادي وتكاليف المعيشة في العديد من الدول حول العالم.
وأوضح الوزير أن العالم مقبل على تحدٍ غير مسبوق، مع توقعات بوصول عدد سكان الأرض إلى عشرة مليارات نسمة بحلول منتصف القرن، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة الطلب العالمي على الطاقة بنسبة قد تصل إلى 50%، وهي زيادة ضخمة تستدعي استراتيجيات أكثر عقلانية في التعامل مع التحول إلى مصادر الطاقة الجديدة.
إقرأ ايضاً:
"المرور السعودي" يطلق "تنبيهاً هاماً": هذا "السلوك المتهور" يهدد السلامة العامةهل هو نجم أم بوصلة كونية؟ لماذا لا يغيب النجم القطبي عن موقعه؟!وأكد الأمير عبدالعزيز أن التحول الطاقي لا يجب أن يكون مدفوعاً بشعارات سياسية أو ضغوط بيئية على حساب واقع المجتمعات واقتصاداتها، مشيراً إلى أن الطاقة تظل محوراً أساسياً في التنمية، وأن إهمال الجوانب الاقتصادية خلال هذا التحول قد يؤدي إلى اضطرابات لا تُحمد عقباها، خصوصاً في الدول النامية والناشئة.
وفي هذا السياق، أعرب عن ارتياحه لتزايد عدد الدول التي بدأت تتبنى مقاربات أكثر واقعية ومرونة في معالجة قضية التحول الطاقي، مضيفاً أن المملكة تنظر إلى هذه المرحلة الانتقالية كفرصة وليست تهديداً، حيث يمكن من خلالها إطلاق موجة جديدة من الابتكار في تقنيات الطاقة.
وشدد وزير الطاقة على أن مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب الطاقة النووية والهيدروجين، آخذة في التوسع والنمو عالمياً، ولكن هذا التوسع لا يعني بالضرورة تراجع دور النفط والغاز، بل إن الحاجة إليهما ما زالت قائمة، خصوصاً في قطاعات يصعب فيها إيجاد بدائل فورية وفعالة.
وأشار إلى أن الصناعات الثقيلة، والنقل الجوي والبحري، وتوليد الكهرباء في بعض المناطق، لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، ما يجعل التخلي عنه كلياً خياراً غير عملي في المستقبل القريب، داعياً إلى تبني رؤية متكاملة تضمن استمرار تلبية الطلب مع تقليل الآثار البيئية.
وأكد الوزير أن المملكة تتبع نهجاً متماسكاً في مسار الطاقة، يجمع بين الطموح في التحول وبين التنفيذ الواقعي، ويأخذ في الحسبان جميع الأبعاد البيئية والاقتصادية والتجارية، وليس البيئية فقط، مشدداً على أن الاستدامة يجب أن تُفهم كمفهوم شامل يعكس توازن المصالح.
وأبرز أهمية الابتكار والتكنولوجيا في تحقيق هذا التوازن، وخص بالذكر تقنيات احتجاز وتخزين الكربون، التي وصفها بأنها واحدة من الأدوات الأساسية التي ستساعد في تقليل الانبعاثات الضارة دون التأثير على القدرة الإنتاجية والتنافسية لاقتصادات الدول.
كما نبه إلى أن كثيراً من المبادرات الدولية تركز على التخلص التدريجي من النفط دون تقديم حلول بديلة مجدية، وهو أمر يراه غير واقعي، لا سيما في ظل التفاوت الكبير بين الدول من حيث البنية التحتية والقدرة على التكيف مع مصادر الطاقة النظيفة.
وأضاف أن على المجتمع الدولي تبني سياسات انتقال طاقي تحافظ على أمن الإمدادات، وتحفز الاستثمارات في جميع أنواع الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز، مؤكداً أن المملكة ستظل ملتزمة بلعب دور قيادي في هذا المجال، من خلال سياساتها المتوازنة واستثماراتها الواسعة في الابتكار.
واعتبر الوزير أن المرحلة الراهنة تمثل لحظة تاريخية لإعادة تشكيل مستقبل الطاقة بشكل يحقق العدالة والكفاءة والابتكار في آنٍ واحد، مضيفاً أن المملكة تؤمن بأن الانتقال المتوازن للطاقة هو السبيل الأمثل لضمان الأمن الاقتصادي والاجتماعي للدول.
وأشار إلى أن الأمن الطاقي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي أو الصحي، وأنه لا يمكن تجاهل تأثير ارتفاع أسعار الطاقة أو تقلب الإمدادات على معيشة الشعوب واستقرار الاقتصادات، داعياً إلى تعاون دولي يقوم على الشفافية والواقعية وليس على التنافس والتصعيد.
وأكد في ختام حديثه أن المملكة تسعى لأن تكون نموذجاً يُحتذى به في تطبيق سياسات انتقال طاقي عقلانية وشاملة، تجمع بين الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية الاقتصادية، وترتكز على حلول تكنولوجية واستثمارات استراتيجية طويلة المدى.
وشدد على أهمية أن يكون صانعو القرار في مجال الطاقة أكثر انفتاحاً على النقاش والتعلم من تجارب الدول المختلفة، مشيراً إلى أن النقاشات حول مستقبل الطاقة يجب ألا تُختطف من قبل أطراف ذات أجندات محددة أو من قبل روايات أحادية الجانب.
وأشار إلى أن المملكة، بما تملكه من خبرات وموارد وإمكانات استثمارية، مستعدة للمساهمة بفعالية في صياغة حلول عملية للانتقال الطاقي، تضمن الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل، مع الحفاظ على البيئة والاستجابة للتغير المناخي.
واختتم كلمته بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى مرونة وتعاون غير مسبوق بين الحكومات والقطاع الخاص ومؤسسات البحث والتطوير، لتجاوز التحديات المشتركة وصياغة مستقبل طاقي أكثر توازناً وشمولية.