قدّم أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند تفسيرًا علميًا مبسطًا لظاهرة فلكية طالما أثارت الفضول، وهي بقاء النجم القطبي، المعروف باسم "الجدي – Polaris"، ثابتًا في مكانه في السماء دون أن يتحرك كما تفعل بقية النجوم خلال الليل أو عبر فصول السنة المختلفة.
هذه الظاهرة التي راقبها البشر منذ القدم وارتبطت بالملاحة وتحديد الاتجاهات، تجد تفسيرها في موقع النجم القطبي بالنسبة إلى محور دوران الأرض، وأوضح الدكتور المسند أن النجم القطبي يتمتع بموقع فلكي استثنائي، حيث يقع تقريبًا فوق القطب الشمالي السماوي، وهو الامتداد الوهمي لمحور دوران الأرض في الفضاء.
إقرأ ايضاً:
بعد فشل صفقة أوسيمين.. الهلال السعودي يعود لمطاردة نجم ليفربولمفاتيح المستحيل.. كيف يُسقط تشيلسي آلة إنريكي في نهائي مونديال الأندية؟ونتيجة لهذا الموقع الفريد، فإن النجم يظهر للناظر من نصف الكرة الشمالي وكأنه في مكان ثابت تمامًا في السماء، بينما تدور باقي النجوم حوله في حركة دائرية منتظمة، بسبب دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق.
وأشار إلى أن هذا التميز في الموقع يجعل من النجم القطبي مرجعًا فلكيًا مهمًا للغاية، وقد استُخدم عبر العصور، وخصوصًا من قبل المسافرين والبحارة، لتحديد الاتجاهات بدقة، إذ أن موقعه يشير دائمًا إلى اتجاه الشمال الجغرافي، وهذه الخاصية تجعل من النجم القطبي أداة طبيعية ملاحية لا تتغير ولا تتأثر بتقلبات الطقس أو تبدل الفصول، وهو ما أكسبه أهميته منذ القدم وحتى العصر الحديث.
ولتبسيط الفكرة للجمهور، قدّم الدكتور المسند مثالًا عمليًا يوضح الظاهرة، إذ قال إنه يمكن تخيّل الموقف وكأن الشخص يقف في منتصف غرفة مستديرة بها مصابيح على الجدران، وهناك مصباح في السقف مباشرة فوق رأسه.
إذا بدأ الشخص بالدوران حول نفسه في مكانه، فإنه سيرى المصابيح الجانبية تتحرك في مجال رؤيته، بينما يظل المصباح الموجود في السقف، والذي يقع مباشرة فوقه، ثابتًا في مكانه لا يتحرك. بنفس المنطق، يظهر النجم القطبي في السماء في مكان ثابت لأن الأرض تدور حول محورها، وهو يقع على امتداد هذا المحور تمامًا.
وبيّن الدكتور المسند أن هذه الظاهرة لا تقتصر على ساعات الليل، بل تمتد طوال العام دون تغيير يذكر، لأن ميل محور الأرض يظل ثابتًا تقريبًا خلال دورانها حول الشمس، ما يجعل موقع النجم القطبي ثابتًا نسبيًا على مدار الفصول.
ورغم أن هناك تغيرًا بسيطًا على مدى آلاف السنين بسبب ما يعرف بـ"بدور محور الأرض" أو "الترنح المحوري"، إلا أن ذلك لا يؤثر في الرصد اليومي أو الموسمي للنجم القطبي.
وأكد أن هذه الخاصية تجعل من النجم القطبي ظاهرة فريدة في سماء نصف الكرة الشمالي، كما تسهم في ربط الإنسان بالسماء والكون، وتُعد نموذجًا حيًا على دقة النظام الكوني الذي خلقه الله، حيث تتكامل الحركات الفلكية في توازن بالغ الدقة يتيح للبشرية الاعتماد على الكون في الملاحة، والتوقيت، والدراسة العلمية.
وأضاف أن فهم مثل هذه الظواهر يُسهم في تعزيز الثقافة الفلكية لدى المجتمع، ويفتح المجال أمام المزيد من الاهتمام بعلم الفلك كجزء من تراث الإنسان العلمي والحضاري.