في خطوة وصفت بالتحولية في مسار الاقتصاد السعودي، وافق مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على نظام جديد يتيح لغير السعوديين تملك العقارات داخل المملكة، ويأتي هذا القرار ضمن منظومة أوسع تهدف إلى تعزيز القطاع العقاري وجذب الاستثمارات الأجنبية بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
والنظام الجديد الذي طال انتظاره، يمثل نقلة نوعية في التعامل مع الاستثمارات العقارية الخارجية، إذ يتيح للمستثمرين الأجانب التملك في نطاقات جغرافية محددة مثل الرياض وجدة، مع وضع قيود خاصة لمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، بما يحفظ خصوصيتهما الدينية ويوازن بين الانفتاح الاستثماري والحفاظ على القيم المحلية.
إقرأ ايضاً:
"تعليم المدينة" يكشف عن "33 برنامجاً تدريبياً".. وهذه أبرز "المفاجآت" للمعلمين هذا العامالعلا تتحرك نحو أسلوب حياة صحي بافتتاح أول مركز للياقة البدنيةوقد أوضح وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد الحقيل، أن هذا النظام صيغ بعد دراسة مستفيضة تراعي مصالح المواطنين والمستثمرين على حد سواء، مؤكدًا أنه يأتي ضمن إطار متكامل يسعى لتحقيق التوازن المطلوب بين تشجيع الاستثمار الأجنبي وضمان استقرار السوق العقاري المحلي.
وأشار الحقيل إلى أن المناطق المفتوحة لتملك الأجانب تم اختيارها بعناية، حيث ستشهد الرياض مرونة أكبر في تطبيق النظام، كونها العاصمة الاقتصادية والسياسية للبلاد، بينما تحظى جدة بفرص تملك واسعة خاصة في المشاريع السياحية والسكنية الكبرى، ما يعزز مكانتها كمركز جذب للاستثمار العقاري.
وبالمقابل، شدد الوزير على أن مكة المكرمة والمدينة المنورة ستخضعان لضوابط صارمة، بحيث يقتصر التملك فيهما على أغراض استثمارية محددة، مع ضرورة الحصول على موافقات أمنية وتراخيص خاصة، في إشارة واضحة إلى حرص الحكومة على الحفاظ على الطابع الديني الخاص بهاتين المدينتين.
ويأتي النظام الجديد متسقًا مع سياسات سابقة مثل "الإقامة المميزة" وتملك مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، مما يعزز البيئة الاستثمارية ويمنح المستثمرين الأجانب إطارًا قانونيًا واضحًا يضمن حقوقهم ويحدد التزاماتهم، في خطوة تعزز الثقة الدولية بالسوق السعودي.
ومن المنتظر أن تصدر الهيئة العامة للعقار اللائحة التنفيذية للنظام خلال 180 يومًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، على أن تدخل حيز التنفيذ في يناير 2026، حيث ستحدد اللائحة الإجراءات التفصيلية والضوابط الدقيقة المتعلقة بآليات التملك، ومتطلبات الامتثال والتنفيذ.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن النظام الجديد سيؤدي إلى ارتفاع في الطلب على العقارات في المناطق التي سيسمح فيها بالتملك للأجانب، مما سيحرك عجلة البيع والشراء، ويعزز أداء القطاع العقاري، ويفتح آفاقًا جديدة أمام مطوري المشاريع السكنية والتجارية.
كما يتوقع أن يسهم القرار في زيادة الطلب على الخدمات المساندة مثل الاستشارات القانونية والتقييم العقاري، إلى جانب ازدهار مكاتب الوساطة والخدمات الإدارية التي سترافق هذه المرحلة الانتقالية، مما سيسهم بدوره في دعم فرص العمل وخلق وظائف جديدة في السوق المحلي.
والنظام الجديد لم يغفل الجوانب الرقابية، فقد تم تضمينه بآليات دقيقة لرصد تحركات السوق وتقييم نتائج التطبيق في المراحل المختلفة، حيث سيكون بمقدور الجهات المعنية تعديل النطاقات الجغرافية والضوابط بحسب المتغيرات، بما يضمن استمرار التوازن بين مصالح جميع الأطراف.
كما تضمن النظام وضع حدود واضحة لنسب التملك الأجنبي في كل منطقة، وذلك بهدف تفادي أي تأثير سلبي على أسعار العقارات أو إحداث تضخم مفرط في بعض المناطق، إلى جانب فرض رسوم على المعاملات العقارية للأجانب لتحقيق مداخيل إضافية للدولة وتنظيم حركة السوق.
وتُعد هذه الخطوة جزءًا من جهود المملكة لتنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، إذ تسعى الحكومة إلى تحويل القطاع العقاري إلى محرك رئيسي للنمو الاقتصادي، عبر جذب رؤوس الأموال الأجنبية والمساهمة في تمويل مشاريع الإسكان والبنية التحتية.
ويعكس هذا التوجه رؤية القيادة السعودية في جعل المملكة وجهة عالمية للاستثمار والسكن والعمل، من خلال تسهيل الإجراءات وتعزيز الشفافية وتوفير بيئة تنظيمية محفزة تحترم الحقوق وتوفر الحماية القانونية للمستثمرين والمواطنين على حد سواء.
كما يفتح القرار الباب أمام الشراكات العقارية بين المستثمرين المحليين والدوليين، ما من شأنه أن ينقل الخبرات العالمية إلى السوق السعودي، ويرفع جودة المنتج العقاري، ويعزز الابتكار في تصميم وتخطيط المجتمعات السكنية والمراكز التجارية.
ويُرتقب أن يسهم النظام على المدى البعيد في تحسين البنية التحتية وتوسيع قاعدة التملك في مشاريع نوعية، بما يضمن توزيعًا متوازنًا للنشاط العقاري بين مختلف المناطق، ويخفف من الضغط على المدن الكبرى، ويدعم تنمية المدن الناشئة.
ويتوقع خبراء العقار أن يساهم القرار في رفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع العقاري خلال السنوات القادمة، مما سيعزز ترتيب المملكة في مؤشرات التنافسية العالمية، ويجعل من السوق السعودي بيئة جاذبة للمستثمرين من مختلف الجنسيات.
القرار الحكومي الأخير يبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن السعودية ماضية في انفتاحها الاقتصادي، وعازمة على تمكين المستثمر الأجنبي من أن يكون شريكًا حقيقيًا في عملية التنمية، ضمن بيئة منضبطة تراعي الاعتبارات الوطنية وتوفر الحوافز اللازمة.
ومن شأن هذا التحديث القانوني أن يغير طبيعة الطلب على العقار داخل المملكة، ويعيد تشكيل خريطة الاستثمار العقاري، حيث سيبحث المستثمرون الأجانب عن الفرص الواعدة ضمن النطاقات المفتوحة، بينما سيتجه المطورون المحليون إلى تصميم مشاريع تتناسب مع الأذواق والمتطلبات العالمية.
ويعكس النظام حرص الحكومة على رسم ملامح سوق عقاري حديث يتسم بالمرونة والانضباط في آن واحد، ويستند إلى معايير دولية في التملك والاستثمار، مع حماية واضحة لحقوق جميع الأطراف وضمانات قانونية قوية تقلل من المخاطر وتعزز الاستقرار.