الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

في ثلاث مراحل فقط .. الهيئة العامة تكشف عن تفاصيل مراسم غسل الكعبة المشرفة

كتب بواسطة: حسن بكري |

مع بزوغ فجر يوم الخميس الخامس عشر من شهر محرم لعام 1447 هجري، انطلقت مراسم غسل الكعبة المشرفة في أجواء مفعمة بالوقار والسكينة، لتجسد طقساً سنوياً تحرص المملكة العربية السعودية على إحيائه بإجلال، حيث تتلاقى الروحانية مع التنظيم الدقيق في مشهد يختزل قداسة المكان وعمق الرمزية الإسلامية.

ويُقام هذا الحدث الجليل سنوياً في التاريخ نفسه من كل عام هجري، بعد أيام قليلة من استبدال كسوة الكعبة المشرفة التي تتم مطلع شهر محرم، لتبدأ بعدها مراسم الغسل في ترتيبات روحانية وعملية دقيقة، تعكس اهتمام القيادة السعودية ورعايتها المستمرة للحرمين الشريفين.

إقرأ ايضاً:

"محمية الإمام تركي" تعلن "الحرب" على العواصف الرملية.. وهذا هو سلاحها السريلضمان العدالة والشفافية.. ديوان المظالم السعودي يقر آلية جديدة لمراجعة أداء القضاة في المحاكم الإدارية سنويًا

وتُجرى عملية غسل الكعبة من الداخل باستخدام ماء زمزم الممزوج بعطور طبيعية فاخرة، مثل ماء الورد ودهن العود، وتُبخّر الكعبة بأجود أنواع البخور، في طقس يحضر فيه البُعد الإيماني جنباً إلى جنب مع الدقة الفنية، مما يضفي طابعاً استثنائياً على هذه المناسبة.

وتبدأ المراسم بكنس أرضية الكعبة المشرفة بعناية، لإزالة الأتربة والغبار، ثم يتم جلب أوانٍ نحاسية مخصصة، يُخلط فيها ماء زمزم مع دهن العود وماء الورد الطائفي، لتُبلل بها قطع قماشية ناعمة تُستخدم في مسح الجدران الداخلية للكعبة وأعمدتها الثلاثة وأرضيتها.

ويتبع ذلك تجفيف الجدران باستخدام قطع قماش مخصصة ذات مسكات خشبية، لتُعاد بعد ذلك تغطية الجدران الداخلية بطيب خاص، يوزع بعناية ليشمل كامل المساحة الداخلية، بما يحقق الطهارة الرمزية والواقعية في آن واحد، ويُختتم المشهد بالتبخير باستخدام أفخر أنواع العود.

وتتكون مراسم الغسل من ثلاث مراحل رئيسية، تبدأ بمرحلة التحضير التي تتضمن تجهيز 20 لتراً من ماء زمزم، ممزوجاً بـ80 مل من دهن العود النقي، ويتم في هذه المرحلة إعداد الأدوات، وتعقيم البيئة الداخلية للكعبة تحضيراً لمرحلة الغسل الفعلية.

والمرحلة الثانية هي مرحلة الغسل، وفيها تُستخدم كميات دقيقة تبلغ 540 مل من ماء الورد الطائفي، إلى جانب 11 لتراً من الطيب الفاخر الخاص بغسل الكعبة، و3 مل من المسك المركز، ويُراعى خلال هذه المرحلة مسح الجدران والأرضيات والأعمدة الداخلية بحركات متقنة.

أما المرحلة الثالثة، فهي مرحلة التطيب والتبخير، وتُستخدم فيها كميات متساوية من دهن الورد الطائفي وبخور العود الفاخر، بما يعزز من نقاء الأجواء داخل الكعبة، ويمنحها عبقاً دائماً يُلامس القلوب قبل الحواس، في لحظة تختلط فيها الروحانية بالجمال الحسي.

وتُستخدم في عملية الغسل أدوات مخصصة، من أبرزها سلم باب الكعبة المشرفة، الذي تُجري من خلاله مراحل التنظيف والتطيب، ويُعد هذا السلم تحفة صناعية متقنة أُدخلت إلى الحرم المكي في عام 2000 ميلادي، ويبلغ طوله نحو 5.65 متر، وعرضه 1.88 متر، وارتفاعه 4.80 متر.

ويتجاوز وزن السلم 6.5 طن، وقد صُنع من خشب "التك" عالي الجودة، ويعمل بـ24 بطارية، كما يحتوي على خزانات مياه داخلية تُستخدم أثناء عملية الغسل، إلى جانب وحدات تكييف داخلية تُسهم في تهيئة أجواء مناسبة خلال المراسم، وتُظهر هذه التفاصيل مدى العناية بالتفاصيل في إدارة الحرم.

وأوضحت الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين أن مراسم الغسل تُجرى بتنسيق دقيق ومحدد وفق قرارات صادرة عن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، التي حددت تاريخ 15 محرم موعداً ثابتاً لهذه المراسم كل عام، بما يحقق التوازن بين الرمزية الدينية والانضباط الإداري.

ويمثل غسل الكعبة المشرفة مظهراً من مظاهر الطهارة الكبرى في الإسلام، إذ ترتبط الكعبة ارتباطاً وثيقاً بمشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم، وتُعد هذه المناسبة محطة تُجدد فيها القلوب العهد مع الله، وتُستحضر فيها رمزية البيت العتيق كقبلة تجمع أرواح مليار ونصف المليار مسلم.

ويأتي الغسل السنوي بعد أيام من استبدال الكسوة الجديدة للكعبة، والتي تتم صناعتها من أفخم أنواع الحرير والذهب في مصنع مخصص تشرف عليه جهات رسمية، ما يعزز من قدسية المناسبة التي تُغلف بأعلى درجات الإجلال والاهتمام الرسمي والديني.

ويحظى غسل الكعبة بتغطية إعلامية واسعة، كونه حدثاً استثنائياً يجمع بين قدسية الشعيرة الإسلامية ومظاهر التنظيم الحديث، حيث تُدار كل مراحل الغسل بتقنيات متطورة، وأدوات متخصصة، وتحت إشراف مباشر من الجهات المختصة، بما يُبرز التقدم الذي وصلت إليه إدارة الحرمين.

وليس غسل الكعبة طقساً شكلياً فحسب، بل يُعد مناسبة تعبيرية عن العناية المستمرة بالمكان الذي يمثل مركز الأرض بالنسبة للمسلمين، وتُترجم من خلاله القيم الإسلامية المرتبطة بالطهارة والنقاء والاعتناء بكل ما هو مقدس، مما يترك أثراً روحياً بالغاً لدى كل من يتابعه.

ويحمل الغسل أبعاداً رمزية تتجاوز النظافة الظاهرية، فهو فعل تعبدي يعكس تعظيم المسلمين لبيتهم الحرام، وتقديرهم لأهمية الطهارة المادية والمعنوية في حياتهم، خاصة أن الكعبة كانت منذ فجر الإسلام موضعاً للتطهير المعنوي قبل أن تكون موقعاً للعبادة الجسدية.

وتلتف حول هذا الحدث مظاهر إجلال من جميع الحاضرين، حيث يسود السكون والهدوء أثناء تنفيذ الغسل، مع حضور رسمي محدد، دون إتاحة دخول واسع لعامة الزوار، ما يضفي على المراسم خصوصية وجلالاً يتماشى مع حرمة المكان وأهميته لدى المسلمين.

وفي ختام المراسم، تبقى الكعبة متألقة بنقائها ورائحتها الزكية التي تدوم لأيام، لتستقبل ضيوف الرحمن في كل لحظة من اليوم، بينما يبقى هذا الحدث محفوراً في الذاكرة السنوية للمسلمين، شاهداً على استمرارية الاهتمام والعناية التي توليها السعودية للحرمين الشريفين.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار