في مشهد يفيض بالعزم والإلهام، حصدت الطالبة هبة بنت ماجد الصفدي، من فئة المكفوفين، المركز الأول في فرع حفظ القرآن الكريم كاملاً مع تفسير المفردات ضمن فعاليات مسابقة "حلّة القرآنية"، التي أقيمت بتنظيم من وقف سبل السلام في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لتُضيف بهذا الإنجاز وساماً جديداً في سجلها الحافل بالمشاركات النوعية والنجاحات المتواصلة.
وجاء هذا الفوز اللافت تتويجاً لمسيرة قرآنية امتزج فيها الجهد بالإيمان، والصبر بالإرادة، إذ لم تكن الإعاقة البصرية عائقاً أمام هبة، بل شكّلت دافعاً يدفعها بثبات نحو تحقيق ما عجز عنه كثيرون من الأصحّاء، فبالقرآن أبصرت الطريق، وبعزيمتها رسمت ملامح قصة تُلهم القريب والبعيد.
إقرأ ايضاً:
"وزارة البيئة" تنصح: "تجنبوا السلالات المستوردة".. وهذه هي "السلالة المحلية" الأنسب لكمقفزة جديدة في أسعار الذهب بالمملكة وعيار 21 يقترب من 355 ريالًاوالمسابقة التي تُعد من أبرز المسابقات القرآنية على مستوى المملكة، شهدت منافسة شديدة بين عدد كبير من المشاركين والمشاركات، إلا أن الصفدي استطاعت أن تفرض حضورها بقوة، وتبرهن على قدرتها الفائقة على الجمع بين الحفظ المتقن والفهم العميق، مما جعلها تتفوق بجدارة وتعتلي منصة التتويج.
ورئيس مجلس إدارة جمعية "خيركم" لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة مكة المكرمة، المهندس عبدالعزيز حنفي، لم يُخفِ فخره بهذا الإنجاز، مؤكداً أن هبة تمثل نموذجاً مشرفاً لطلاب الجمعية، الذين لا يدّخرون جهداً في رفع راية القرآن والتفوق في ميادين المنافسة، بفضل الله، ثم بفضل برامج التدريب المتكاملة التي تقدمها الجمعية.
وأوضح حنفي أن ما حققته هبة ليس مجرد فوز في مسابقة، بل هو رسالة عميقة تؤكد أن القرآن الكريم لا يعرف المستحيل، ويمنح أصحابه طاقة روحية تدفعهم لاجتياز كل ما يعترض طريقهم من مصاعب، وأن الإرادة متى ما ارتبطت بالإيمان، صنعت المعجزات.
والصفدي ليست وجهاً جديداً على الساحة القرآنية، فقد سبق لها أن نالت جوائز مرموقة، من بينها فوزها في مسابقة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم، ومشاركتها المتميزة في المسابقة القرآنية بجامعة جدة، ما يعكس مسيرتها الثابتة في هذا الميدان وتفوقها المستمر في مختلف التحديات.
وقصتها تتجاوز حدود المنافسة، فهي تمثل لوحة إنسانية ملهمة، ترسمها فتاة كفيفة تتلمس النور بين دفتي المصحف، وتترجم الكلمات بحسّ عالٍ من الفهم والحفظ، متحدية قيود الإعاقة، ومانحة الآخرين درساً عملياً في أن العجز الحقيقي لا يكمن في الجسد، بل في غياب الطموح.
وتعيش هبة يومها مع آيات الذكر الحكيم، تحفظ وتراجع وتُفسر المفردات بدقة لافتة، وتشارك في الحلقات التدريبية التي توفرها الجمعية، وسط إشادة دائمة من معلماتها ومشرفاتها، اللواتي يصفنها بالهادئة المثابرة، وصاحبة الهمة العالية التي لا تفتر.
وجمعية "خيركم" من جهتها، أبدت اهتماماً كبيراً ببرامج تعليم القرآن الكريم لذوي الإعاقة البصرية، من خلال توفير بيئات تعلم متخصصة، وتقديم محتوى صوتي ووسائل تكنولوجية تساعد هؤلاء النخبة في استيعاب المادة وتثبيت المحفوظ، مما ساهم في صناعة قصص نجاح مضيئة مثل قصة الصفدي.
والمتابعون للمسابقة أكدوا أن تميز هبة لم يكن في الحفظ وحده، بل في قدرتها على تفسير المفردات القرآنية بأسلوب رصين، وهو ما منحها نقاطاً إضافية خلال التحكيم، حيث بدت متعمقة في المعاني، حافظة للحروف، متقنة للوقف والابتداء، وهو ما يعكس جودة إعدادها وتأهيلها.
ومن داخل قاعة المسابقة، ظهرت هبة بثقة نادرة، وتلاوتها حملت نبرة خشوع مؤثرة، جعلت لجنة التحكيم تنصت باهتمام، وتمنحها العلامات التي تستحقها، دون أدنى تردد، لتخرج حاملة درع التفوق، وسط تصفيق وإعجاب الحضور.
وهذا الفوز يأتي امتداداً لمسيرة جمعية "خيركم" التي لطالما تصدّرت نتائج المسابقات القرآنية على مستوى المملكة، إذ تسعى الجمعية منذ تأسيسها إلى دعم حفظة القرآن من جميع الفئات، مع التركيز على إشراك ذوي الإعاقة في برامج تأهيلية متخصصة تؤهلهم للمنافسة والتميّز.
والجهود التي تُبذل خلف الكواليس في تدريب وتأهيل المشاركين لا تقل أهمية عن لحظة التتويج، إذ يتم إخضاع الطلاب لمراحل متعددة من التقويم والتدريب الفردي، بمشاركة نخبة من المشرفين، مما يفسّر العدد الكبير من الجوائز التي حصدها طلاب الجمعية خلال السنوات الماضية.
ويحمل إنجاز هبة دلالات كثيرة، ليس فقط كإنجاز فردي مميز، بل كمؤشر على فعالية العمل المؤسسي المنظم، وأثره في استثمار الطاقات البشرية، وتفعيل دور المكفوفين في المشهد القرآني بشكل عملي وفاعل، وهو ما يعكس رؤية واضحة لدى الجمعية لدمج ذوي الإعاقة في مختلف برامجها.
وهبة بدورها، عبّرت عن سعادتها بهذا الفوز، ووصفت لحظة إعلان النتيجة بأنها من أجمل لحظات حياتها، مؤكدة أن حفظ القرآن كان وما زال مصدر قوتها وتوازنها، وأن ما وصلت إليه هو بفضل الله ثم بفضل دعم والديها ومعلماتها الذين لم يتخلوا عنها في رحلة الحفظ.
وقصص النجاح مثل قصة الصفدي تستحق أن تُروى، لا كحالات فردية معزولة، بل كنماذج يُحتذى بها، ورسائل أمل تلامس قلوب كل من ظن أن الطريق مسدود، لتُعيد إليهم إيمانهم بأن النور يمكن أن ينبثق من قلب الظلام، وأن البصيرة قد تكون أبلغ من البصر.
وفي زمن تتعدّد فيه التحديات وتختلف مظاهر التفوق، تبقى نماذج مثل هبة الصفدي شاهدة على أن القرآن الكريم كان وما زال نبراساً للهداية، ومنبعاً للإرادة، ومحرّكاً لصناعة التميز، مهما اختلفت الظروف وتعددت العقبات.