في خطوة تقنية وُصفت بأنها ثورية في عالم الملاحة والقياسات المغناطيسية، أعلن علماء من معهد "فراونهوفر" الألماني لفيزياء الحالة الصلبة عن تطوير جهاز جديد يعمل بتقنية الاستشعار الكمّي باستخدام الماس الصناعي، قادر على إجراء عمليات الملاحة دون الحاجة إلى نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس"، وهو ما قد يُغيّر مستقبل التنقل والتوجيه في مجالات متعددة، سواء المدنية أو العسكرية أو الصناعية.
يعتمد الابتكار الجديد، الذي أُطلق عليه اسم "المقياس المغناطيسي الماسي"، على مستشعرات كمّية دقيقة مدعومة ببنية من شبكات الماس الصناعي، وهي تتيح له قياس مكونات المجال المغناطيسي للأرض بدقة غير مسبوقة، ما يتيح استخدامه في تحديد المواقع والتوجيه دون الحاجة إلى إشارات الأقمار الصناعية، والتي يمكن أن تكون ضعيفة أو غير متوفرة في بعض البيئات مثل الأنفاق، أو أعماق المحيطات، أو المناطق النائية.
إقرأ ايضاً:ترقب في السعودية.. هل يُكمل الأخضر مهمة التأهل أم يودع الكأس الذهبية مبكراً؟ليس مجرد اسم.. النيابة السعودية تكشف التعريف الشامل للبيانات الشخصية المحمية قانونياً!
وفي تعليق تقني على هذا الإنجاز، قال الدكتور مايكل ستوبي، مدير وحدة أعمال الأجهزة الكمومية في المعهد: "الجهاز المصنّع من الماس لم يأتِ فقط بوظيفة بديهية لقياس المجال المغناطيسي، بل يمثل تقدمًا هائلًا في تكنولوجيا الاستشعار.
إن قدرتنا على قراءة جميع مكونات المجال المغناطيسي باستخدام شريحة استشعار واحدة تعني أننا أمام نقلة نوعية حقيقية"، وأضاف أن هذه التقنية ستفتح الباب واسعًا لتطبيقات عالية الحساسية، تشمل الخرائط المغناطيسية، والقياسات الحيوية العصبية، والاستكشاف الجيولوجي.
يعمل الجهاز من خلال محاذاة شبكة الماس المتراصة بدقة على طول أربعة محاور بلورية داخل الجهاز، مما يمنحه قدرة استثنائية على التقاط جميع الاتجاهات الممكنة لمتجه المجال المغناطيسي.
ويُقلل هذا التكوين الحاجة إلى المعايرة المستمرة، وهي إحدى العقبات التقنية التي كانت تواجه الأجهزة المغناطيسية السابقة، كما يضمن دقة فائقة حتى في البيئات التي تتعرض لتداخل مغناطيسي.
وفيما يتعلق بالوظائف الثانوية، فإن الجهاز الجديد يحتوي على نظام تبريد مائي اختياري يُسهم في الحفاظ على استقرار القياسات ودقتها حتى في أقسى ظروف التشغيل، مثل درجات الحرارة العالية أو المواقع التي تحتوي على مستويات إشعاع أو اهتزاز مرتفعة، وتكمن أهمية هذا الجانب في إمكانية استخدام الجهاز في بيئات عسكرية أو صناعية أو ميدانية قاسية.
ومن بين أهم التطبيقات المتوقعة لهذا الجهاز، استخدامه في إنشاء خرائط مغناطيسية عالية الدقة، يمكن أن تُستخدم في الملاحة الذاتية للطائرات بدون طيار والمركبات المستقلة وحتى الغواصات.
كما يُمكن أن يُحدث فرقًا جذريًا في العمليات الاستكشافية تحت الأرض، لا سيما في مجال تحديد مواقع الرواسب المعدنية، أو التنقيب عن الموارد الطبيعية، مثل النفط والمعادن الثمينة، دون الحاجة إلى الحفر الاستكشافي أو الاتصال المادي المباشر.
ويبرز الجهاز أيضًا في مجال الأمن والسلامة، إذ يُمكن أن يُستخدم لرصد الذخائر غير المنفجرة في مناطق الحروب، أو كشف الأجسام الغريبة المدفونة في الأراضي الزراعية أو الحضرية، مما يُقلل من مخاطر الكوارث الإنسانية ويُسهم في جهود إعادة الإعمار.
وإلى جانب التطبيقات الصناعية والعسكرية، يُنتظر أن يكون للجهاز استخدامات حيوية في المجال الطبي، لا سيما في الدراسات العصبية والتحاليل الكيميائية الحيوية، حيث يحتاج العلماء إلى مستشعرات عالية الدقة قادرة على تتبع المسارات العصبية أو فحص المواد الكيميائية داخل الجسم البشري بمستويات غير مسبوقة من الحساسية.
ورغم أن الجهاز لا يزال في مرحلة التطوير المتقدمة، إلا أن التوقعات تشير إلى أنه قد يدخل حيز الاستخدام التجاري خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالتقنيات التي تعمل بشكل مستقل عن الأنظمة الملاحية التقليدية والتي تُعد عرضة للتشويش أو الانقطاع.
تجدر الإشارة إلى أن معهد فراونهوفر يُعد من أبرز المؤسسات البحثية في أوروبا، ويشتهر بتطوير تقنيات متقدمة تخدم الابتكار الصناعي والمدني والعسكري، وكان قد ساهم سابقًا في اختراعات محورية مثل تقنية MP3.