كشفت وزارة التجارة السعودية عن تفاصيل جديدة في إحدى أبرز قضايا التستر التجاري التي طالت قطاع العطور ومستحضرات التجميل في مدينة الرياض، وذلك بعد صدور حكم قضائي نهائي يدين مواطنًا سعوديًا ومقيمًا من الجنسية اليمنية، على خلفية تورطهما في جريمة تستر تجاري تخللتها مخالفات مالية وتنظيمية عديدة.
وتعود تفاصيل القضية إلى تمكين المواطن للمقيم من مزاولة نشاط تجاري لحسابه الخاص، دون الحصول على ترخيص نظامي كمستثمر أجنبي، وهو ما يشكل مخالفة صريحة لأحكام نظام مكافحة التستر، ويخلّ ببيئة السوق العادلة، ويضر بالاقتصاد الوطني من خلال التهرب الضريبي والمنافسة غير المشروعة.
إقرأ ايضاً:
"الجمارك السعودية" تعلن "حرباً تقنية" على المهربين.. وهذه هي أدواتها الجديدة"الهيئة الملكية" تدعو "ملاك العقارات" على هذه المحاور لتقديم مستنداتهم.. هل عقارك من ضمنها؟وتمكنت الجهات الرقابية من ضبط أدلة مادية دامغة تؤكد إدارة المقيم لنشاط المؤسسة بشكل فعلي، حيث عُثر بحوزته على مبالغ مالية ضخمة من سبع عملات أجنبية مختلفة، إلى جانب سبائك ذهبية، وهي مؤشرات مالية تُعد غير متناسبة مع مهنته الرسمية المسجلة كمندوب مبيعات، ما أثار الشبهات وفتح باب التحقيقات.
وأظهرت التحقيقات أن المواطن قد منح المقيم سلطة كاملة في التصرف بالمنشأة، كما أقر صراحة بمنحه نسبة 20% من صافي الأرباح سنويًا مقابل تستره عليه، في اتفاق يفتقر للشرعية ويخالف الأنظمة التجارية المعمول بها في المملكة، التي تشدد الرقابة على تنظيم العمل للأجانب.
وبعد استكمال الإجراءات النظامية، أصدرت المحكمة الجزائية في الرياض حكمًا نهائيًا تضمن التشهير بهما عبر وسائل الإعلام، وتغريمهما مبلغًا ماليًا مقداره 60 ألف ريال يتم تقاسمه بين الطرفين، في خطوة تهدف إلى ردع المتسترين وحماية بيئة الاستثمار من الممارسات المخالفة.
كما نص الحكم على شطب السجل التجاري الخاص بالمؤسسة، وإلغاء الترخيص الصادر لها، وتصفية نشاطها بالكامل، إلى جانب استيفاء المستحقات الحكومية من زكاة وضرائب ورسوم متأخرة، بالإضافة إلى المنع من مزاولة أي نشاط تجاري مستقبلاً، وإبعاد المقيم عن البلاد نهائيًا.
وتؤكد وزارة التجارة أن هذا النوع من القضايا يُعد من أولويات عملها الرقابي، لما يشكله التستر التجاري من تهديد مباشر على النظام الاقتصادي، ويُعد أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الاقتصاد الخفي، وتضييق الفرص أمام المستثمرين النظاميين من المواطنين.
ويُعرف التستر التجاري بأنه تمكين غير السعودي من ممارسة نشاط اقتصادي لحسابه الخاص باسم مواطن سعودي أو مستثمر أجنبي مرخص له، دون الحصول على التصاريح النظامية، وغالبًا ما يتم التستر مقابل نسبة مالية من الأرباح أو مقابل مبالغ شهرية، وهو ما يُعد مخالفة جسيمة.
وسبق للسلطات المختصة أن أطلقت حملات وطنية توعوية موسعة لمكافحة التستر التجاري، وحثت المواطنين على الإبلاغ عن أي شبهة تستر، مع توفير قنوات اتصال سرية لحماية المبلغين وضمان سرعة التعامل مع البلاغات من قبل الجهات المعنية.
ويهدف نظام مكافحة التستر الجديد، الذي تم تحديثه في السنوات الأخيرة، إلى تجفيف منابع التستر عبر فرض عقوبات مشددة تشمل السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وغرامات مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال، مع مصادرة الأموال غير المشروعة بعد صدور الحكم القضائي.
ويُعد قطاع العطور ومستحضرات التجميل من القطاعات الحيوية في السوق السعودي، ويشهد تنافسًا كبيرًا بين المستثمرين النظاميين، الأمر الذي يتطلب حماية هذا القطاع من الممارسات غير القانونية التي تخل بالتوازن وتفتح المجال أمام استغلال الأنظمة.
وتدعو وزارة التجارة المستثمرين إلى الالتزام بالأنظمة واللوائح المعمول بها، والتأكد من نظامية جميع العاملين في أنشطتهم، مع ضرورة توثيق العلاقات التعاقدية بشكل شفاف، بما يضمن سلامة الإجراءات، ويجنبهم الوقوع تحت طائلة المسؤولية القانونية.
كما أكدت على أن فرق الرقابة الميدانية تعمل باستمرار على رصد أي حالات اشتباه، بالتعاون مع الهيئة العامة للزكاة والضريبة والجمارك، إلى جانب الجهات الأمنية المختصة، من أجل بناء بيئة تجارية عادلة ومستدامة لجميع الممارسين في السوق.
وتشكل جرائم التستر تحديًا كبيرًا لخطط الإصلاح الاقتصادي، كونها تُسهم في تفشي السوق غير النظامي، وتُفقد الدولة جزءًا كبيرًا من العوائد المفترض تحصيلها من الضرائب والرسوم، وهو ما يؤثر على كفاءة الاقتصاد الكلي ويزيد من حالات التوظيف الوهمي.
وبحسب مراقبين اقتصاديين، فإن استمرار جهود وزارة التجارة في الكشف عن قضايا التستر يمثل خطوة هامة نحو تعزيز الشفافية، كما يُسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمارات النظامية من الداخل والخارج.
وتطالب جهات رقابية عديدة بضرورة استمرار حملات التوعية، وتطوير أدوات الكشف المبكر عن حالات التستر، إلى جانب تشديد العقوبات على من يثبت تورطهم في هذه الجرائم، سواء من المواطنين أو المقيمين، حتى لا تبقى السوق عرضة للاستغلال والاحتيال.
وتأتي هذه القضية ضمن سلسلة قضايا مماثلة أعلنت عنها وزارة التجارة مؤخرًا، حيث لوحظ ازدياد محاولات التستر في قطاعات مختلفة، بعضها يُدار تحت أسماء مواطنين مقابل أرباح دورية، في حين أن الإدارة الحقيقية تُسند إلى وافدين لا يملكون تراخيص نظامية.