في خطوة تعكس التصعيد المتواصل في أدوات الرقابة الجمركية، كشفت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك عن أحدث ما توصلت إليه في مجال فحص وكشف المواد الممنوعة في المنافذ الحدودية، وذلك ضمن مشاركتها في المعرض التوعوي بأضرار المؤثرات العقلية، والذي أقيم في مدينة الدمام بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، حيث استعرضت الهيئة مجموعة من الأجهزة المتطورة التي تتيح قدرات غير مسبوقة في رصد المواد المحظورة بكفاءة وسرعة.
ويعد الجهاز المعروف باسم "راب سكان" واحدًا من أبرز هذه الأجهزة، إذ يتميز بقدرته العالية على تحليل المواد سواء كانت صلبة أو سائلة، ويعمل بدقة متقدمة تكشف آثار المواد الكيميائية الخطرة أو المخدرات أو المتفجرات من خلال تحليل عينات يتم جمعها عبر المسح السطحي، ثم تُدخل العينات إلى الجهاز الذي يفرز النتائج خلال لحظات، ما يمنح المفتشين ميزة التدخل السريع في حال وجود نتائج إيجابية.
إقرأ ايضاً:
"بين 46 و 29 درجة".. الدمام تسجل الأعلى والباحة الملاذ الأكثر برودةانخفاض جديد في مؤشر سوق الأسهم السعودية يعيد التساؤلات حول تقلبات السوقويمتلك "راب سكان" قدرة استيعابية هائلة تصل إلى تحليل 120 عينة دفعة واحدة، مع إمكانية زيادة هذا الرقم بحسب طبيعة المهام والموقع المستخدم فيه، ويُستخدم الجهاز على الأسطح المشتبه بها داخل الأمتعة أو على أيدي المسافرين وأغراضهم، مما يوسع نطاق استخدامه ويجعل من الصعب تجاوز الرقابة عليه.
وتعتمد الهيئة أيضًا على جهاز آخر لا يقل تطورًا، وهو جهاز "MINI Z"، والذي يتمتع بإمكانيات متقدمة لمسح المركبات وهياكلها المختلفة دون الحاجة إلى تفكيك أو فتح المحتويات، حيث يستخدم تقنية التصوير بالأشعة للكشف عن الكثافات غير الطبيعية، مما يساعد في اكتشاف المواد المحظورة التي قد تكون مخفية داخل إطارات السيارات أو تجاويف الشاحنات أو حتى داخل هيكل المركبة نفسه.
ويستطيع جهاز "MINI Z" تحليل الطبقات المختلفة داخل هيكل المركبة، مما يمكنه من كشف التغييرات في الكثافة التي تشير إلى وجود مواد غريبة، وفي حال تم رصد أي مؤشرات غير اعتيادية، يتم تحويل المركبة للفحص اليدوي أو استخدام الوسائل الحية مثل الكلاب البوليسية لتأكيد الاشتباه، ما يجعل نظام الفحص متعدد المراحل وأكثر دقة.
وتسعى هيئة الزكاة والضريبة والجمارك من خلال هذه التقنيات إلى تعزيز كفاءة العمل الميداني، وتقليل الاعتماد على الفتح اليدوي الذي يستغرق وقتًا أطول وقد يعرض المفتشين لمخاطر محتملة، كما تسهم هذه الأدوات في خفض نسبة الخطأ وتحسين سرعة اتخاذ القرار في اللحظة.
ويأتي هذا التطور في سياق التحديات المتصاعدة التي تواجهها الجهات الرقابية في مكافحة تهريب المواد الممنوعة، لا سيما مع تزايد أساليب الإخفاء والتخفي من قبل المهربين، حيث تتطلب المكافحة الفعالة مزيجًا من التقنية الحديثة والخبرة البشرية الدقيقة، وهذا ما تعمل عليه الهيئة عبر الجمع بين الأجهزة المتطورة والكوادر المدربة.
وتُولي الهيئة اهتمامًا خاصًا بتنمية قدرات المفتشين من خلال برامج تدريبية متخصصة، تشمل تعلم مهارات قراءة لغة الجسد وتحليل السلوك، بالإضافة إلى سرعة البديهة في اكتشاف الحالات المشبوهة، كما يتم التركيز على القدرة على ملاحظة التفاصيل الدقيقة المرتبطة بأنماط الحركة والردود غير المعتادة لدى بعض المسافرين.
وفي إطار هذه البرامج، يتم تدريب المفتشين على كيفية استخدام الأجهزة بأقصى كفاءتها، وكذلك على قراءة نتائج الفحص بطريقة دقيقة، مما يجعلهم قادرين على التمييز بين النتائج الطبيعية وغير الطبيعية، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب دون تأخير.
وتهدف هذه الجهود إلى بناء جدار حماية متقدم على امتداد المنافذ البرية والبحرية والجوية، يمنع دخول المواد الخطرة إلى أراضي المملكة، ويشكل رادعًا لكل من يحاول استغلال الثغرات، وهو ما يعكس التزام الهيئة بدورها الأمني إلى جانب مهامها الجمركية الأخرى.
ويأتي عرض هذه الأجهزة في سياق المشاركة بالمعرض التوعوي الذي أقامه مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام، تحت شعار "لنكسر الحلقة.. أوقفوا الجريمة المنظمة"، وهو شعار يحمل أبعادًا استراتيجية في مواجهة شبكات التهريب، التي ترتبط غالبًا بجرائم أكبر تمس أمن المجتمع واستقراره.
ويعكس تزامن المعرض مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات رغبة حقيقية في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور، حول المخاطر المترتبة على تداول المؤثرات العقلية، ودور كل جهة في التصدي لها، من خلال الحلول التقنية أو التوعوية أو المجتمعية.
وتسهم هذه الأجهزة في تعزيز ثقة المجتمع في قدرة الجهات المعنية على حماية المنافذ، كما تُظهر للمجرمين أن وسائلهم التقليدية لم تعد تجدي نفعًا أمام الرقابة الذكية والتكنولوجيا المتقدمة، مما يقلص من فرص التهريب ويزيد من تكلفة المخاطرة.
وتعتبر الأجهزة التي تم استعراضها خلال الفعالية امتدادًا لجهود السعودية في تبني التكنولوجيا الحديثة في مكافحة الجريمة المنظمة، وتطوير بنيتها التحتية في المنافذ الجمركية بما يتواكب مع التحديات الإقليمية والدولية في هذا المجال.
وتؤكد الهيئة أن مكافحة المواد الممنوعة لا تقتصر على الأجهزة أو البرامج وحدها، بل تحتاج إلى تنسيق مستمر مع الجهات الأمنية والصحية والمجتمعية، لإغلاق الدائرة التي يحاول المروجون التحرك من خلالها، خاصةً في ظل تطور أساليب الإخفاء والتغليف.
وتبقى سلامة المجتمع أولوية لا مساومة عليها، كما أن توظيف التقنيات الحديثة في هذا المجال يعد أحد المسارات الرئيسية لتحقيق تلك الحماية، في ظل رؤية وطنية تهدف إلى بيئة خالية من المخدرات وأكثر أمانًا واستقرارًا.