في مشهد مؤلم تكرر كثيرًا خلال السنوات الماضية، شهد طريق "المستوي" الرابط بين شقراء وأشيقر والقصيم مساء أمس حادثًا مروريًا مروّعًا، أسفر عن أربع إصابات بينها حالتان وُصفتا بالخطيرتين، وذلك إثر تصادم مباشر وجهاً لوجه بين سيارة عائلية من نوع "جيب" وشاحنة كانت تسير في الاتجاه المقابل.
وبحسب المعلومات الأولية الواردة من مصادر مطلعة، فقد تم نقل إحدى الحالات الحرجة بالإخلاء الطبي إلى أحد مستشفيات منطقة القصيم، فيما تم نقل ثلاث حالات أخرى إلى مستشفى شقراء العام، قبل أن تستدعي إحدى الإصابات تحويلًا عاجلًا إلى الرياض بواسطة الإخلاء الطبي نظرًا لتدهور حالتها الصحية وخطورة الإصابات التي لحقت بها.
إقرأ ايضاً:
القطاع العقاري السعودي يواصل صعوده للأسبوع الثاني .. هل هي فرصة استثمارية واعدة؟من إجازة مفتوحة إلى محددة.. السعودية تنظم عطلات الأعياد بحديها الأدنى والأقصىوالحادث لم يكن الأول من نوعه، بل يأتي امتدادًا لحوادث متكررة شهدها الطريق ذاته خلال السنوات الماضية، حيث أصبح طريق "المستوي" عنوانًا لحوادث دامية لا تكاد تمر فترة قصيرة إلا ويتصدر اسمه صفحات الحوادث في وسائل الإعلام، وسط مطالبات مجتمعية متكررة بإعادة تأهيله وتوسعته حفاظًا على الأرواح.
ويُعرف طريق "المستوي" بطبيعته الضيقة وغير المزدوجة، وافتقاده لعناصر السلامة المرورية الأساسية، إذ يمتد لمسافة تقترب من 70 كيلومترًا من نقطة التقاء طريق المجمعة شمال أشيقر وصولًا إلى كبري "أم حزم"، ما يجعله واحدًا من أكثر الطرق خطورة في المنطقة، خصوصًا في ظل الكثافة المرورية التي يشهدها يوميًا.
والحادث الأخير يأتي بعد أيام فقط من حادث مماثل وقع على الطريق نفسه وأسفر عن وفاة شخصين وإصابة ستة آخرين، ما يعكس استمرار نزيف الأرواح، ويؤكد مجددًا على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي تكرار مثل هذه المآسي التي أصبحت تُنذر بكارثة مرورية متجددة.
وكانت السلطات المختصة قد شكّلت لجنة مرورية عليا في وقت سابق لمعاينة الطريق بعد حادث مأساوي راح ضحيته 11 شخصًا دفعة واحدة، وقد أوصت اللجنة حينها برفع تقارير عاجلة إلى الجهات المعنية تتضمن مقترحات لإعادة تصميم الطريق وتوسعته، غير أن تنفيذ هذه التوصيات لا يزال يراوح مكانه حتى اليوم.
وتثير الحوادث المتكررة على هذا الطريق تساؤلات حقيقية حول أسباب تأخر تنفيذ المشاريع التطويرية، خاصة أن الطريق يخدم مناطق سكانية متزايدة ويُستخدم من قبل أعداد كبيرة من المسافرين بشكل يومي، مما يجعله محورًا حيويًا يجب أن يُدرج ضمن أولويات خطط السلامة المرورية.
والأهالي من جانبهم لم يخفوا مشاعر القلق والخوف التي تنتابهم كلما اضطروا إلى استخدام طريق "المستوي"، معبرين عن استيائهم من استمرار غياب الحلول العملية، وارتفاع عدد الضحايا عامًا بعد آخر، دون أن يلوح في الأفق تنفيذ أي مشاريع توسعة أو تحسين للبنية التحتية للطريق.
ومع كل حادث جديد تتجدد المطالبات الشعبية بضرورة التدخل السريع، حيث يرى كثير من السكان أن الحلول المؤقتة لم تعد كافية، وأن توسعة الطريق وتحديثه أصبحت مسألة حياة أو موت، لا تحتمل مزيدًا من التأجيل أو المماطلة في الإجراءات.
وبحسب إحصائيات سابقة نُشرت حول حوادث الطريق، فقد سجل خلال العشر سنوات الماضية أكثر من 32 وفاة، إضافة إلى عشرات الإصابات، وهي أرقام صادمة تسلط الضوء على حجم الخطر الذي يشكله الطريق حاليًا على مستخدميه من السائقين والركاب.
ويتفق خبراء في السلامة المرورية على أن طبيعة الطريق وتضاريسه وعدم ازدواجيته وافتقاده لوسائل الإنارة واللوحات الإرشادية الواضحة، كلها عوامل تساهم في ارتفاع معدل الحوادث عليه، خصوصًا في فترات الليل أو في أوقات الذروة والحركة المرورية الكثيفة.
كما يشير متخصصون إلى أن بقاء طريق بهذه المواصفات دون تطوير يتعارض مع توجهات المملكة لتحسين البنية التحتية للمواصلات، ويُشكل تحديًا أمام جهود خفض أعداد الوفيات الناتجة عن الحوادث، التي تُعد من أبرز أولويات برامج السلامة المرورية ضمن رؤية المملكة 2030.
وتأتي هذه الحوادث لتدفع من جديد نحو فتح ملف الطريق المهمل أمام الجهات المختصة، وإعادة تقييم وضعه الفني والتخطيطي، حيث يرى مراقبون أن بقاء الطريق على وضعه الحالي يُعد إخفاقًا في تحقيق الحد الأدنى من متطلبات السلامة، في ظل تزايد الحركة عليه ونمو المناطق التي يخدمها.
وتطالب الأصوات المجتمعية بتخصيص ميزانية مستقلة وعاجلة لتوسعة الطريق، وإعادة تأهيله هندسيًا، مع تركيب وسائل إنذار وإنارة، وتوفير دوريات أمنية مرورية دائمة على امتداده، لتقليل المخاطر، وضمان تطبيق الأنظمة بحق المخالفين، خصوصًا سائقي الشاحنات.
وفي ظل صمت الجهات الرسمية حتى اللحظة عن التعليق على الحادث الأخير، يزداد القلق الشعبي من احتمال تكرار المأساة في أي وقت، ما لم يتم التحرك الجاد والفوري لتعديل مسار الطريق، وتحسين بنيته بشكل جذري وشامل يتناسب مع الأهمية التي يمثّلها.
وحادث الأمس، وإن لم يُسفر عن وفيات، إلا أنه جاء تذكيرًا قاسيًا بكارثة محتملة في أي لحظة على هذا الطريق الذي أصبح مرادفًا للحوادث والمآسي، ما يعزز من أهمية التعامل مع هذا الملف بكل جدية، ووضعه ضمن أولويات مشاريع الطرق في المناطق الحيوية.