شهدت أسعار تذاكر الطيران في المملكة العربية السعودية ارتفاعًا ملحوظًا خلال شهر يوليو الجاري، حيث أظهرت المؤشرات أن هذا الارتفاع لم يكن عابرًا، بل جاء نتيجة عوامل متشابكة محلية ودولية ساهمت مجتمعة في تشكيل ضغط متزايد على السوق، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على المواطنين والمقيمين الذين باتوا يواجهون صعوبة متزايدة في تأمين رحلات بأسعار معقولة.
وبحسب بيانات حديثة صادرة عن جهات مختصة في قطاع النقل الجوي، فقد ارتفع متوسط تكلفة التذكرة الدولية بنسبة تقارب 20% في النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وهي نسبة تُعد مرتفعة إذا ما قورنت بمتوسطات الزيادة السنوية المعتادة التي لا تتجاوز في العادة حاجز 8 إلى 10%.
إقرأ ايضاً:
القطاع العقاري السعودي يواصل صعوده للأسبوع الثاني .. هل هي فرصة استثمارية واعدة؟من إجازة مفتوحة إلى محددة.. السعودية تنظم عطلات الأعياد بحديها الأدنى والأقصىويُعزى هذا الارتفاع إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها الزيادة المستمرة في أسعار الوقود عالميًا، إذ يعتبر الوقود أحد أكبر عناصر التكلفة التشغيلية لشركات الطيران، ومع تصاعد أسعاره نتيجة التوترات الجيوسياسية في عدد من مناطق الإنتاج، اضطرت الشركات إلى نقل جزء من تلك التكاليف إلى المستهلك النهائي.
كما ساهم ارتفاع الطلب الموسمي على السفر في تغذية هذا الصعود في الأسعار، لا سيما خلال موسم الصيف الذي يتزامن هذا العام مع موسم الحج، ما أدى إلى زيادة كبيرة في حركة السفر من وإلى المملكة، وهو ما دفع شركات الطيران إلى تعديل سياساتها التسعيرية وفق آلية العرض والطلب.
وفي الوقت ذاته، تشير تقارير ميدانية إلى وجود تفاوت واضح في أسعار التذاكر، سواء على مستوى الرحلات الدولية أو حتى الداخلية، حيث شهدت خطوط الربط بين بعض المحافظات ارتفاعات ملحوظة، وسط شكاوى من المسافرين حول غياب التسعير العادل والتفاوت بين الشركات المشغلة لنفس الوجهات.
ويبرز هنا عامل آخر لا يمكن إغفاله، يتمثل في الارتفاع التدريجي لرسوم المطارات والخدمات الأرضية، إضافة إلى تكاليف الأجور والصيانة، وهي بنود تتحملها شركات الطيران وتلجأ في المقابل إلى تعديل أسعار التذاكر للحفاظ على هامش ربح يضمن استمرارية التشغيل في ظل التحديات المالية والاقتصادية.
وبحسب تقارير صادرة عن جهات استشارية دولية، منها "أميركان إكسبريس" المعنية بتحليل الأسواق، فإن المملكة تشهد واحدة من أسرع موجات التعافي في قطاع السفر، مدفوعة بتوسع البنية التحتية في قطاع الطيران، وعودة الفعاليات السياحية الكبرى، واستمرار تدفق الزوار لأغراض الحج والعمرة.
ورغم أن بعض شركات الطيران قدّمت عروضًا مؤقتة خلال شهر رمضان وعيد الفطر، إلا أن تلك التخفيضات لم تدم طويلًا، إذ عادت الأسعار للارتفاع مجددًا مع دخول شهر يوليو، مما دفع الكثير من المسافرين إلى تأجيل خططهم أو اختيار توقيتات سفر بديلة خارج أوقات الذروة لتقليل النفقات.
وفي هذا الإطار، ينصح خبراء في قطاع النقل الجوي بضرورة التخطيط المسبق للسفر، والحجز قبل موعد الرحلة بفترة تتراوح بين ستة إلى ثمانية أسابيع على الأقل، وهي إستراتيجية أثبتت فعاليتها في تأمين أسعار منخفضة نسبيًا، خاصة في ظل التقلبات الحالية في السوق.
ومن المتوقع، بحسب ذات الخبراء، أن يستمر هذا الاتجاه التصاعدي في أسعار التذاكر حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري، على أن يعقب ذلك فترة استقرار نسبي، مع تراجع الطلب بعد انتهاء موسم الصيف والعمرة، وهو ما قد يفتح المجال أمام عروض ترويجية جديدة في الربع الأخير من 2025.
ولم تقتصر تداعيات هذا الارتفاع على المسافرين فحسب، بل امتدت لتشمل قطاع السياحة الداخلية، حيث أبدى عدد من أصحاب الفنادق وشركات السياحة تذمرهم من تأثير أسعار الطيران المرتفعة على حجم الحجوزات، مشيرين إلى أن عدداً كبيراً من العملاء تراجعوا عن خطط السفر نتيجة التكلفة المرتفعة.
ويرى مختصون في الاقتصاد الكلي أن الوضع الراهن يمثل تحديًا أمام صناع القرار في قطاع الطيران بالمملكة، مشددين على أهمية اتخاذ خطوات تنظيمية تساعد في خلق توازن بين مصلحة الشركات والمستهلكين، مع وضع ضوابط تحكم تسعير التذاكر خاصة في الرحلات الداخلية.
وتتزامن هذه التطورات مع جهود المملكة الحثيثة لتطوير قطاع النقل الجوي كجزء من رؤية السعودية 2030، حيث تم الإعلان عن خطط لإنشاء شركات طيران جديدة وتوسعة المطارات وزيادة الرحلات الدولية، وهي خطوات من شأنها على المدى المتوسط تعزيز التنافسية وتحقيق استقرار أكبر في الأسعار.
وفي هذا السياق، يترقب المسافرون والمهتمون بالسفر الجوي أي تحركات رسمية من قبل الجهات المختصة، مثل الهيئة العامة للطيران المدني، للحد من الارتفاعات غير المبررة، وضمان شفافية تسعير التذاكر بما يتماشى مع قدرات شرائح واسعة من السكان.
ولا تزال أصوات المطالبين بمزيد من الرقابة على آليات تسعير التذاكر تتعالى، حيث يرى كثير من المستهلكين أن الشركات تستغل فترات الذروة لفرض أسعار مبالغ فيها، دون تقديم خدمات إضافية توازي تلك الزيادات، وهو ما يخلق فجوة في رضا العملاء ويؤثر على صورة القطاع.
ومع ترقب حلول مناسبات أخرى مثل اليوم الوطني وبداية العام الدراسي، تبقى قضية أسعار التذاكر حاضرة في النقاش العام، في انتظار ما إذا كانت الشركات ستبادر بإجراءات توازنية أو أن الأسعار ستظل مرشحة لمزيد من التصاعد في ظل استمرار الضغط على منظومة السفر.
وتبقى الآمال معلقة على أن تؤدي المنافسة المرتقبة بين الشركات الجديدة والقديمة، إلى تحسين مستوى الخدمات وتخفيض الأسعار مستقبلًا، بما يتيح للمواطنين والمقيمين حرية التنقل بأسعار عادلة، خصوصًا مع تعاظم أهمية قطاع الطيران كرافد أساسي من روافد التنمية الاقتصادية في المملكة.