هيئة السوق المالية السعودية.

قرارات مفصلية تُعيد تشكيل صناديق الاستثمار في السعودية .. كيف ستؤثر على استثماراتك القادمة؟

كتب بواسطة: تميم بدر |

في خطوة تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة كوجهة مالية إقليمية، أقر مجلس هيئة السوق المالية السعودية حزمة جديدة من التحسينات التنظيمية لصناديق الاستثمار، وذلك من خلال تعديل لوائح قائمة وتحديث مجموعة من المصطلحات التنظيمية، بما يحقق قفزة نوعية في بيئة الاستثمار المحلي، ويرفع من كفاءة صناعة إدارة الأصول.

وتأتي هذه التعديلات في إطار مساعي الهيئة المتواصلة لتعزيز الشفافية، ورفع جودة الحوكمة، وزيادة مستويات الحماية للمستثمرين، حيث أوضحت الهيئة أن التعديلات تمثل نتاج عمل تشاركي متكامل مع الجهات ذات العلاقة، وتستند إلى أفضل الممارسات العالمية، بما يتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تنمية القطاع المالي وتنويع مصادر الدخل.

إقرأ ايضاً:

"نهاية عصر الاكتناز".. "الإسكان" تكشف: رسوم الأراضي البيضاء قد تصل إلى 10%كيف استطاعت أن تتفوق رغم كل العوائق؟ .. كفيفة تتصدر المراكز الأولى بمسابقة لحفظ القرآن

وقد طالت التعديلات لائحة صناديق الاستثمار، ولائحة صناديق الاستثمار العقاري، وقائمة المصطلحات المعتمدة من هيئة السوق المالية، وشملت الجوانب التقنية والتنظيمية لتوزيع الصناديق، وحوكمة أعمال مديري الصناديق، ومتطلبات الإفصاح، والنسب الاستثمارية، وأدوات الدين، إلى جانب تنظيم عملية الانسحاب الطوعي للمديرين من إدارة الصناديق.

ومن أبرز ما جاء في هذه التعديلات، السماح لفئات جديدة مثل منصات توزيع صناديق الاستثمار، وشركات النقود الإلكترونية المرخصة، بالمشاركة في توزيع وحدات الصناديق، وهو ما من شأنه أن يوسع نطاق الوصول إلى المنتجات الاستثمارية، ويرفع من مستوى المنافسة بين الجهات العاملة في السوق المالية.

كما تم تطوير أحكام إنهاء الصناديق الاستثمارية وعزل المدير، بما يضمن انتقالاً سلساً للمسؤوليات الإدارية بين الجهات المشرفة، ويشترط النظام الجديد حصول مدير الصندوق على موافقة الهيئة قبل الانسحاب، مع التزامه بنقل إدارة الصندوق خلال 60 يوماً إلى مدير بديل معتمد.

ويسهم هذا الترتيب الجديد في تقليص أي فجوات زمنية قد تؤثر على أداء الصناديق، ويعزز من الثقة في قدرة النظام المالي السعودي على إدارة عمليات الخروج والدخول للمؤسسات المالية بطريقة منظمة تحافظ على استقرار السوق وحقوق المستثمرين.

وفيما يخص صناديق الاستثمار العقاري، سمحت التعديلات بإمكانية الاستثمار في مشاريع التطوير العقاري دون التقيد بنسبة معينة من الأصول، وذلك عند تأسيس الصندوق، خاصة في السوق الموازية "نمو"، بهدف فتح المجال لمزيد من التنوع في الأصول العقارية وزيادة عوائد المستثمرين.

كما تم إدخال تعديلات جوهرية على صناديق أدوات الدين، حيث سمح النظام الجديد باكتتاب الصناديق العامة في أدوات الدين الخاصة إذا كانت صادرة عن جهات محلية، مما يمنح مديري الأصول مرونة أكبر في تنويع أدواتهم الاستثمارية، ويدعم قدرة المُصدرين المحليين على الوصول إلى مصادر تمويل أكثر استقراراً.

وفي إطار الحد من المخاطر، فرضت الهيئة قيوداً على استثمار صناديق أسواق النقد وحماية رأس المال، بحيث لا تتجاوز نسبة الاستثمارات في جهة واحدة 25% من صافي قيمة أصول الصندوق، ولا تتعدى 10% في أدوات دين صادرة عن جهة واحدة، بما يضمن تنوع المحفظة وحماية العوائد من تقلبات الأسواق.

وشددت التعديلات على الإفصاح، فألزمت مديري الصناديق العامة بالإفصاح عن التصنيفات الائتمانية لأدوات الدين لأكبر عشرة استثمارات في البيانات ربع السنوية، بهدف تمكين المستثمرين من اتخاذ قراراتهم على أسس أكثر وضوحاً وشفافية.

وفيما يتعلق بصناديق الاستثمار الخاصة والأجنبية، حدّدت التعديلات سقف اشتراك فئة عملاء التجزئة بنسبة 50% من الاشتراكات النقدية، سواء في الصناديق المحلية أو الأجنبية، المغلقة أو المفتوحة، في محاولة لتقليل المخاطر على المستثمرين الأفراد، وتحقيق التوازن بين مختلف فئات المستثمرين.

كما نصّت اللوائح على عدم تجاوز نسبة ملكية المشتركين من فئة عملاء التجزئة في المملكة نسبة 50% من قيمة الأوراق المالية في الصناديق الأجنبية عند نقل ملكية الوحدات، لضمان عدم تمركز الاستثمارات في أيدي فئة واحدة بما قد يهدد توازن هيكل الصناديق.

وشملت التعديلات أيضاً السماح لمؤسسات إدارة الاستثمارات بتوزيع صناديق أجنبية وطرح أوراقها المالية داخل المملكة، بشرط استيفاء متطلبات محددة، ما يفتح الباب أمام المستثمرين المحليين للوصول إلى منتجات دولية ضمن إطار قانوني منظم ومراقب.

وتتزامن هذه الإصلاحات مع نتائج لافتة في أداء السوق، إذ وافقت الهيئة خلال عام 2024 على إطلاق 44 صندوقاً جديداً توزعت بين صناديق الأسهم والأسواق النقدية والصناديق الوقفية والمؤشرات والصناديق العقارية، ما يعكس نشاطاً متزايداً في هذا القطاع الحيوي.

وقد شهدت قيمة الأصول المدارة في صناديق الاستثمار نمواً ملحوظاً، لتصل إلى نحو 700 مليار ريال بنهاية عام 2024، محققة نسبة نمو 25.2% مقارنة بالعام السابق، وهو ما يشير إلى ثقة متزايدة من المستثمرين في جدوى هذا القطاع وقدرته على توليد العوائد المستقرة.

ولم تأت هذه التعديلات بشكل مفاجئ، بل كانت نتاج عملية مراجعة موسعة شملت ثلاث مبادرات أطلقتها الهيئة تباعاً منذ منتصف 2024 وحتى مطلع 2025، واستطلعت خلالها مرئيات المختصين والجهات المعنية وأخذت بعين الاعتبار ملاحظاتهم قبل اعتماد التعديلات بشكلها النهائي.

وتُعد هذه التغييرات جزءاً من خطة الهيئة الأوسع لرفع كفاءة السوق المالي وتعزيز دوره في تمويل الاقتصاد الوطني، حيث تتواصل الجهود لإعادة هيكلة بيئة الاستثمار، وتنظيم العلاقة بين مقدمي المنتجات والمستثمرين، بما يعزز الثقة ويجذب رؤوس أموال محلية ودولية جديدة.

في ظل هذه التطورات، تبدو هيئة السوق المالية السعودية ماضية في ترسيخ دعائم سوق مالي متقدم ومتوازن، يحافظ على مصالح المستثمرين، ويدعم النمو الاقتصادي، ويستجيب لمتغيرات الأسواق العالمية، وهو ما يجعل التعديلات الحالية محطة مفصلية في مسار التحول المالي للمملكة.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار