في خضم الأزمات الاقتصادية، والتوترات الجيوسياسية، والقرارات الجريئة للبنوك المركزية، يقف الاقتصاد العالمي على مفترق طرق تاريخي. وبينما يواصل الدولار الأمريكي فقدان بعض من بريقه، يبرز بيتكوين كأحد أبرز الأصول التي قد تغيّر قواعد اللعبة النقدية.
إليكم قراءة معمّقة للأرقام والمعطيات التي قد ترسم ملامح المرحلة القادمة:
أولاً: التوسع النقدي غير المسبوق
بحلول يوليو 2025، بلغ حجم المعروض النقدي العالمي (M2) نحو 55.48 تريليون دولار، وهو مستوى قياسي لم يسبق للعالم الوصول إليه من قبل.
هذه الزيادة الهائلة في السيولة ليست مجرد أرقام على الورق، بل تعكس سياسات نقدية توسعية لجأت إليها البنوك المركزية في السنوات الماضية لمواجهة أزمات متعددة، من جائحة كورونا إلى اضطرابات الأسواق المالية والحروب التجارية والجيوسياسية.
لكن ضخ هذه السيولة له ثمن، يتمثل في فقدان الثقة شيئاً فشيئاً في العملات الورقية، وارتفاع أسعار الأصول البديلة، وفي مقدمتها الذهب والبيتكوين.
ثانياً: العلاقة التاريخية بين بيتكوين والمعروض النقدي
يُظهر تحليل بيانات السنوات العشر الماضية أن بيتكوين عادة ما يتأثر بحركة المعروض النقدي (M2) بفاصل زمني يتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
فعلى سبيل المثال، في أبريل 2025 شهدنا قفزة في سعر بيتكوين بنسبة 30 في المئة خلال أسبوعين فقط، عقب الارتفاع الحاد في M2 في نهاية 2024 وبداية 2025.
هذا النمط المتكرر دفع العديد من المحللين والمؤسسات إلى توقع أن يصل سعر بيتكوين إلى 170 ألف دولار قبل نهاية عام 2025، مدفوعاً بتدفقات قوية من صناديق الاستثمار المتداولة والمؤسسات المالية الكبرى، التي باتت ترى في بيتكوين وسيلة تحوط استراتيجية.
أزمة الثقة في الدولار الأمريكي
شهد مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) تراجعاً لافتاً بلغت نسبته 10.8 في المئة خلال النصف الأول من عام 2025، في أسوأ أداء للدولار منذ انهيار نظام بريتون وودز عام 1973، حين فُكّ الارتباط بين الدولار والذهب.
هذا التراجع لا يرتبط فقط بالعوامل الاقتصادية الداخلية، بل أيضاً بفعل تنامي الدعوات إلى فك الارتباط بالدولار في التجارة الدولية، وتزايد الحديث عن نظام نقدي عالمي متعدد الأقطاب.
وفي المقابل، حقق بيتكوين ارتفاعاً نسبته 13.25 في المئة خلال نفس الفترة، في مشهد يُذكّر بالانفصال التاريخي الذي حدث في نوفمبر 2020، حين قفز بيتكوين بأكثر من 300 في المئة خلال الشهور التالية بعد أن فقد الدولار بعضاً من قوته.
رابعاً: بيتكوين بين جدلية الملاذ الآمن وأداة المضاربة
لا يزال الجدل محتدماً حول طبيعة بيتكوين: هل هو أصل مالي للمضاربة أم تحول فعلياً إلى ملاذ آمن وأداة تحوط ضد تآكل قيمة العملات الورقية؟
هناك من يرى أنه لا يزال أصلاً عالياً في درجة المخاطر، يتأثر بعوامل نفسية وتقلبات حادة. لكن في المقابل، يزداد عدد المؤسسات الكبرى التي تعتبر بيتكوين خزان سيولة عالمياً قد تتجاوز قيمته عشرة تريليونات دولار في المستقبل، خصوصاً في حال استمرار السياسات النقدية التوسعية.
الأمر اللافت أن البنوك المركزية والمؤسسات المالية التقليدية التي تهاجم بيتكوين هي نفسها التي أسهمت، من خلال طباعة الأموال المفرطة، في خلق البيئة التي تجعل المستثمرين يبحثون عن أصول بديلة.
خامساً: المفارقة الكبرى والسياسات المتناقضة
تكمن المفارقة في أن صناع السياسات النقدية الذين يُطلقون يومياً التحذيرات من مخاطر العملات الرقمية هم أنفسهم من صنعوا الظروف التي تدفع الأسواق نحو بيتكوين، عبر ضخ أكثر من 55 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي دون ضوابط كافية.
فلا يمكن للاقتصاد العالمي تحمّل مثل هذه الكتلة النقدية الهائلة دون أن ينعكس ذلك على قيمة العملات الورقية، ومستوى الأسعار، وثقة المستثمرين في النظام المالي بأكمله.
إن القول إن بيتكوين أصل مضاربي فقط قد يكون مبسطاً للغاية، لأن الواقع يشير إلى أنه بات يُستخدم فعلياً كأداة تحوط ضد مخاطر السياسات النقدية المتهورة، والتضخم، وتراجع الثقة في العملات التقليدية.
سادساً: السيناريوهات المحتملة
إذا استمرت موجة التوسع النقدي دون ضوابط، ومع تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية عالمياً، فقد نرى بيتكوين يقترب من مستويات 170 ألف دولار، أو حتى يتجاوزها، مدفوعاً بتزايد تبنيه من قبل المؤسسات والمستثمرين الأفراد على حد سواء.
لكن يظل هناك احتمال آخر، وهو حدوث انكماش نقدي أو تشديد سياسات البنوك المركزية، مما قد يضغط على أسعار بيتكوين ويوقف موجة الصعود مؤقتاً.
التاريخ أثبت أن بيتكوين حساس جداً لتغيرات السيولة العالمية، ولا يسير في اتجاه واحد دون تقلبات عنيفة.
الخلاصة والسؤال الجوهري:
نحن أمام مرحلة مفصلية قد تعيد تشكيل النظام النقدي العالمي. فهل يصبح بيتكوين بالفعل البديل النقدي الذي يهز عرش الدولار، أم أن الدولار قادر على استعادة مكانته رغم كل العواصف؟
وهل يبلغ سعر بيتكوين 170 ألف دولار بنهاية هذا العام، أم أن رحلته الصعودية ستتعثر أمام ضغوط جديدة؟
شارك برأيك: كيف ترى مستقبل الدولار وبيتكوين مع نهاية عام 2025؟ وهل ترى أن بيتكوين مؤهل ليكون بديلاً حقيقياً للنظام النقدي القائم؟