حماية البيانات

بريكس يرسم ملامح نظام رقمي عالمي جديد.. من الهيمنة الغربية إلى العدالة الرقمية

كتب بواسطة: احمد قحطان |

في أجواء مشبعة بالتوترات التقنية والتحديات السياسية، يستعد قادة دول مجموعة بريكس لإطلاق نقاش واسع حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، وسط تحذيرات متصاعدة من مخاطره المتعلقة بجمع البيانات بشكل مفرط.

حيث كشفت مسودة بيان اطلعت عليه وكالة رويترز أن القادة سيطالبون بحماية بيانات الشعوب من الاستخدام غير المشروع لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

إقرأ ايضاً:

بعد اقترابه من التوقيع.... خيسوس يٌجمد المفاوضات مع النصر بشكل مفاجئ!صدمة للمنافسين ... رسميًا نجم الأهلي يُجدد العقد وينهي الجدل!

البيان المُسرّب يتوقع أن يشهد تأكيدًا على أهمية تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تضمن حماية خصوصية الأفراد، خاصة في ظل تغوّل شركات التكنولوجيا الكبرى التي تستحوذ على كميات ضخمة من البيانات دون الرجوع إلى أصحابها أو احترام الحقوق القانونية والأخلاقية لها.

من المنتظر أن يوصي قادة التكتل بضرورة تطوير آليات جديدة تتيح تعويضًا عادلاً للدول والمجتمعات التي تُستخدم بياناتها في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهي خطوة تُعد غير مسبوقة في مجال الضغط الدولي على عمالقة التكنولوجيا في العالم.

وتنطلق اليوم أعمال القمة السابعة عشرة لمجموعة بريكس في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، وسط حضور رفيع المستوى من رؤساء وزعماء عدد من القوى الاقتصادية الصاعدة، في حدث يستمر على مدار يومين ويتضمن جدولاً دبلوماسيًا حافلاً.

ورغم أن المجموعة لطالما ركزت على الملفات الاقتصادية، إلا أن قمة هذا العام تتوسع بشكل لافت لتشمل ملفات حساسة كالتكنولوجيا والحوكمة الرقمية، بما فيها الاستخدامات المتسارعة للذكاء الاصطناعي وتأثيره المتزايد على السيادة الوطنية والمصالح الاقتصادية.

وتأتي هذه التطورات في وقت ترفض فيه شركات التقنية الكبرى، والتي تتخذ معظمها من الدول الغنية مقراً لها، أي دعوات لدفع رسوم مقابل المحتوى المستخدم في تدريب أنظمتها، وهو ما أثار استياءًا واسعًا بين الدول النامية التي ترى في ذلك استغلالًا صارخًا لمواردها الرقمية دون مقابل.

تشارك في القمة الحالية عشرون دولة، بين أعضاء رسميين وشركاء استراتيجيين، في مشهد يعكس اتساع نطاق الاهتمام بالتحالف وازدياد تأثيره في المشهد العالمي، خاصة في ظل السعي المستمر لصياغة نظام دولي متعدد الأقطاب.

وتحمل جلسات القمة طابعًا متعدد المستويات، إذ تتوزع بين جلسات عامة تستعرض التوجهات الكبرى للمجموعة، ولقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف تبحث بشكل أكثر تخصصًا في سبل التعاون المشترك ومواجهة التحديات المستجدة على الساحة الدولية.

وتنطلق من القمة رسالة واضحة بأن دول الجنوب لم تعد تقبل بدور المتفرج في سباق التكنولوجيا والمعلومات، بل تسعى لبناء نموذج عادل يضمن حوكمة رشيدة للبيانات والتقنيات ويضع قواعد جديدة للعبة الذكاء الاصطناعي عالميًا.

ويظهر في جدول أعمال القمة عناوين رئيسية تتناول التنمية المستدامة وقضايا التغير المناخي، إلى جانب ملف الأمن والسلام الدوليين، غير أن التركيز هذا العام يصب بدرجة ملحوظة على ملف التكنولوجيا والابتكار، ما يعكس القلق المتزايد من الانفلات الرقمي العالمي.

تؤكد هذه النقاشات أن التحالف لم يعد يكتفي بتحدي الهيمنة الغربية في مجالات الاقتصاد والسياسة فحسب، بل يسعى الآن إلى رسم ملامح توازن رقمي جديد يعترف بحقوق الدول النامية في حماية بياناتها والمطالبة بتعويضات عادلة عند استخدام هذه البيانات.

وفي ظل تصاعد المخاوف من الذكاء الاصطناعي غير المنضبط، يتزايد إدراك الدول الأعضاء بأن التحديات التقنية لم تعد تقتصر على البنية التحتية أو المهارات، بل تمس بشكل مباشر السيادة الرقمية وحماية المجتمعات من مخاطر مستقبل مجهول المعالم.

ويبدو أن النقاشات الدائرة داخل قاعات قمة بريكس تعكس طموحًا متصاعدًا لتأسيس قواعد تعاون عالمية تنطلق من مبدأ العدالة الرقمية، بحيث لا تُستثنى دول الجنوب من الحقوق، ولا تبقى فقط مستهلكًا للتقنيات القادمة من الشمال.

ورغم الغموض الذي يلف تفاصيل البيان الختامي حتى الآن، إلا أن إشاراته الأولية تؤكد نية الدول الأعضاء في اتخاذ مواقف أكثر جرأة في وجه الشركات العملاقة، وإعادة صياغة العلاقة بينها وبين التقنيات التي تستنزف مواردها الرقمية.

هذا التحول قد يشكل بداية لحقبة جديدة تُبنى فيها تحالفات حول البيانات والذكاء الاصطناعي، لا فقط حول المال والسلاح، وقد تجد الشركات الغربية نفسها قريبًا أمام مطالبات دولية متزايدة بوضع حد لهيمنتها المطلقة على البيانات العالمية.

ورغم كل ذلك، تبقى الأسئلة مطروحة حول قدرة هذه الدول على تحويل هذا الخطاب السياسي إلى آليات تنفيذية حقيقية، خاصة في ظل تعقيدات النظام الاقتصادي العالمي، لكن مجرد طرح هذه المطالب يعكس تغيرًا في المعادلة لم يعد من الممكن تجاهله.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار