بايدن يهاجم ترامب

بايدن يحذّر من "الاسترضاء الحديث": وسجال محتدم حول مصير أوكرانيا

كتب بواسطة: سوسن شرف |

في تصعيد جديد للحرب الكلامية بين الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، شن بايدن هجومًا لاذعًا على مواقف ترامب الأخيرة بشأن الصراع الروسي الأوكراني، محذرًا من أن دعوات ترامب للتنازل عن أراضٍ أوكرانية لصالح روسيا تمثل "استرضاءً مقلقًا" لا يُرضي الكرملين، بل يغذي شهيته التوسعية ويقوّض ثقة الحلفاء الغربيين بالولايات المتحدة، وفي مقابلة بثتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) اليوم الأربعاء، أعرب بايدن عن قلقه الشديد من التصريحات التي أطلقها ترامب أواخر الشهر الماضي بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، والتي ألمح فيها إلى إمكانية التوصل إلى "تسوية" تتضمن تنازلات إقليمية من قبل كييف لصالح موسكو، بهدف وقف الحرب المستمرة منذ فبراير 2022.

وقال بايدن: "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا ينظر إلى أوكرانيا كدولة مستقلة، بل يراها جزءًا لا يتجزأ من روسيا الأم، ومن يظن أن طموحاته التوسعية ستتوقف عند حدود أوكرانيا، فهو واهم"، وتابع: "لا أفهم كيف يمكن لبعض القادة أن يعتقدوا أن السماح لبلطجي بالاستيلاء على أراضٍ لا يملكها سيؤدي إلى كبح جماحه، هذا النوع من التفكير لا يُقنع أحدًا"، وفي سياق المقابلة، أبدى بايدن قلقه المتزايد من اهتزاز ثقة الحلفاء الأوروبيين في مصداقية الولايات المتحدة كحليف موثوق، وقال: "قادة أوروبا يطرحون اليوم أسئلة لم يكونوا يتخيلون طرحها قبل سنوات، مثل: هل لا تزال واشنطن شريكًا يعتمد عليه في مواجهة التحديات الجيوسياسية؟".

وتصريحات بايدن جاءت في أعقاب ما اعتبره مراقبون محاولات متكررة من ترامب لتقديم رؤية بديلة لإنهاء الحرب الأوكرانية، دون اعتبار للواقع الميداني أو للتوازنات الدولية، وهو ما أثار انتقادات حادة داخل الأوساط السياسية الغربية، لا سيما في بروكسل وكييف، وكان ترامب قد صرح، خلال استقباله رئيس وزراء النرويج في البيت الأبيض أواخر الشهر الماضي، أن روسيا أبدت "تنازلًا جيدًا" حين توقفت عن محاولتها السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، معتبرًا أن الظروف "قد تكون مواتية الآن لتسوية توقف الحرب".

وأضاف ترامب: "أعتقد أن الطرفين -موسكو وكييف- إضافة إلى بروكسل، قد يقبلون بشروط معينة لوقف إطلاق النار، نحن أقرب من أي وقت مضى إلى إنهاء هذا الصراع، نعم، أظن أنهم سيوافقون"، كما أشار ترامب إلى أن استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم "أمر صعب"، موضحًا أن روسيا ضمتها قبل نحو عقد من الزمن دون الحاجة إلى عملية عسكرية كبيرة، في إشارة ضمنية إلى قبول الأمر الواقع.

واندلعت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 عندما شنت موسكو عملية عسكرية واسعة النطاق على أراضي أوكرانيا، متذرعة بما وصفته بـ"ضمان أمنها القومي" ومنع توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقيًا، ومنذ ذلك الحين، خلّف النزاع آلاف القتلى وملايين النازحين، وأدى إلى تدمير واسع في البنية التحتية الأوكرانية، فضلًا عن تصعيد حاد في العلاقات بين روسيا والغرب، ورغم العقوبات الغربية المشددة، وعمليات الدعم العسكري المتواصلة لأوكرانيا، لم تُظهر موسكو أي نية واضحة لإنهاء الحرب، بينما أصرّت كييف على استعادة جميع أراضيها المحتلة، بما في ذلك القرم ودونباس.

وتصريحات بايدن الأخيرة تسلط الضوء على الانقسام المتزايد في الداخل الأميركي بشأن السياسات الخارجية، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ يرى خصوم ترامب أن مواقفه تمثل تنازلًا استراتيجيًا غير مبرر، من شأنه إضعاف الموقف الغربي وتعزيز طموحات بوتين، وفي المقابل، يدافع ترامب عن رؤيته باعتبارها "واقعية وعملية"، تؤمن بضرورة إنهاء الصراع بأي ثمن، وتخفيف الأعباء العسكرية والمالية عن الولايات المتحدة، وتشير هذه التصريحات إلى معضلة متزايدة تواجه التحالف الغربي، إذ يتعيّن عليه تحقيق التوازن بين دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا من جهة، والحفاظ على الوحدة الداخلية في مواجهة الخطابات الشعبوية التي تزداد زخمًا في الولايات المتحدة وبعض العواصم الأوروبية من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، يرى محللون أن الخطاب الحاد من قبل بايدن يهدف إلى طمأنة الحلفاء الأوروبيين، وتعزيز موقفه الانتخابي في الداخل، من خلال تأكيد الالتزام الأميركي بأمن أوروبا، والتصدي لأي محاولات لفرض تسويات قسرية على أوكرانيا، ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، وغياب أي مؤشرات جدية على تسوية قريبة، يبدو أن السجال بين بايدن وترامب ليس مجرد خلاف انتخابي، بل يعكس تحولًا عميقًا في الرؤية الأميركية للعالم، فبينما يرى بايدن أن حماية أوكرانيا تمثل دفاعًا عن النظام الدولي، يعتبر ترامب أن إنهاء الحروب الخارجية هو الطريق نحو "أميركا أولًا"، لكن ما بين الواقعية السياسية والمبادئ الاستراتيجية، تبقى أوكرانيا ساحة اختبار حاسمة لمصداقية الغرب ووحدة موقفه.