خالد الأحمد، أحد الشخصيات الناشطة في صفوف حركة حماس.

عملية تصفية بطائرة مُسيّرة: إسرائيل تغتال قياديًا في حركة حماس داخل صيدا اللبنانية

كتب بواسطة: ليلى حمادة |

في حادثة تُنذر بتصعيد جديد على الساحة الإقليمية، وثّق مقطع فيديو متداول لحظة تنفيذ غارة إسرائيلية استهدفت سيارة مدنية في مدينة صيدا الساحلية جنوبي لبنان، ما أسفر عن مقتل أحد قياديي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وذلك فجر اليوم الأربعاء، وفق ما أفادت به مصادر أمنية لبنانية وشهود عيان، وبحسب المعلومات الأولية التي تداولتها وسائل إعلام محلية ودولية، فإن الطائرة المُسيّرة الإسرائيلية استهدفت المركبة بشكل مباشر أثناء سيرها في أحد شوارع مدينة صيدا، وتسببت في انفجارها على الفور، ما أدى إلى مقتل الشخص الذي كان بداخلها، والذي تم التعرف عليه لاحقًا على أنه خالد الأحمد، أحد الشخصيات الناشطة في صفوف حركة حماس.

ووثّق مواطنون لبنانيون في مقاطع مصورة انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة دوي الانفجار وتصاعد الدخان من السيارة المستهدفة، وسط حالة من الذعر بين المدنيين الذين تواجدوا في المكان لحظة تنفيذ الغارة، ويظهر في الفيديو اشتعال النيران في السيارة بالكامل، مع انتشار عناصر الدفاع المدني اللبناني الذين هرعوا إلى الموقع لإخماد الحريق وانتشال الجثة، ونقلت مصادر أمنية من مكان الحادث أن الضربة نُفذت بدقة شديدة عبر طائرة من دون طيار، وهي طريقة اعتادت القوات الإسرائيلية استخدامها في عمليات الاغتيال الموجهة ضد شخصيات تصفها بأنها "تهديدات أمنية مباشرة"، خاصة تلك المرتبطة بحركات المقاومة الفلسطينية أو حزب الله.

وحتى اللحظة، لم تصدر حركة حماس بيانًا رسميًا يؤكد أو ينفي مقتل خالد الأحمد، لكن مصادر مطلعة داخل الحركة أكدت أن الرجل كان بالفعل أحد كوادرها البارزين في لبنان، ويُعتقد أنه كان يؤدي دورًا تنسيقيًا بين الجناح السياسي والعسكري للحركة في الخارج، ويُقال إن الأحمد كان مسؤولًا عن ملف العلاقات التنظيمية في المخيمات الفلسطينية، وله ارتباطات بنقل الدعم اللوجستي للحركة في بعض المناطق الحدودية.

وبالرغم من قلة المعلومات الرسمية المتاحة عن الأحمد، فإن اغتياله بهذه الطريقة يحمل دلالات أمنية عميقة، خصوصًا أن مدينة صيدا تُعد من المناطق التي تشهد حضورًا فلسطينيًا كثيفًا، وتضم عددًا من المخيمات مثل عين الحلوة، الذي شهد في الأشهر الماضية اشتباكات عنيفة بين فصائل فلسطينية، وتأتي هذه العملية في وقت يتصاعد فيه التوتر بين إسرائيل ومحور المقاومة، في أعقاب الحرب المستمرة في غزة منذ أشهر، والتي تسببت في سقوط آلاف الضحايا وتدمير واسع للبنية التحتية في القطاع، ومع امتداد الاشتباك إلى جبهات متعددة تشمل جنوب لبنان والبحر الأحمر والعراق، باتت الساحة اللبنانية مسرحًا مفتوحًا لاحتمال التوسع الميداني الإسرائيلي.

ويرى مراقبون أن اختيار صيدا كموقع لعملية الاغتيال يحمل رسالة مزدوجة: من جهة استهداف مباشر لحركة حماس خارج الأراضي الفلسطينية، ومن جهة أخرى اختبار جديد لمعادلة الردع مع حزب الله، الذي أعلن في أكثر من مناسبة أن أي خرق أمني إسرائيلي داخل لبنان سيُقابل برد مماثل، وحتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من السلطات اللبنانية على العملية، فيما اكتفى الجيش اللبناني بتطويق مكان الحادث وفتح تحقيق رسمي، أما حركة حماس، فبينما التزمت الصمت في الساعات الأولى بعد الغارة، يتوقع أن تُصدر بيانًا رسميًا لاحقًا يوضح تفاصيل العملية وموقفها منها.

وبدورها، لم تتبنَّ إسرائيل العملية بشكل رسمي، لكن سوابقها في تنفيذ اغتيالات مماثلة خلال السنوات الماضية، تجعل من المرجح أن تكون العملية جزءًا من إستراتيجيتها المعلنة في ملاحقة قادة المقاومة خارج الحدود، ضمن ما تسميه بـ"المعركة بين الحروب"، ويخشى سكان جنوب لبنان من أن تكون هذه الغارة بداية لسلسلة من العمليات الأمنية التي قد تزعزع استقرار المنطقة مجددًا، في ظل تصاعد حدة الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين في صفوف الطرفين.

وتُعيد هذه العملية إلى الأذهان سلسلة من الاغتيالات التي نفذها الموساد الإسرائيلي في دول مختلفة ضد شخصيات فلسطينية ولبنانية وعربية، كان من أبرزها اغتيال القائد العسكري في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010، واستهداف القيادي سمير القنطار في سوريا عام 2015، وقد أثارت تلك العمليات حينها ردود فعل دولية متباينة، ما بين الإدانة والتحفظ.

وتعتمد إسرائيل منذ سنوات على أسلوب "الضربة الجراحية" التي تنفذها طائرات مسيّرة أو فرق خاصة تستهدف شخصيات بعينها دون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة، وهي سياسة أثبتت فعاليتها في كثير من الأحيان من وجهة نظر إسرائيل، لكنها كثيرًا ما تسببت في تصعيد أمني خطير، ولا شك أن عملية اغتيال قيادي في حركة حماس داخل لبنان ستترك تداعيات على المشهد الأمني والسياسي في المنطقة، فإلى جانب احتمالية الرد من قبل الحركة أو فصائل حليفة لها، قد تدفع هذه الحادثة الحكومة اللبنانية إلى تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن، أو على الأقل توثيق العملية باعتبارها انتهاكًا جديدًا للسيادة اللبنانية.