في خطوة لافتة ضمن تطورات المشهد الإنساني في قطاع غزة، أعلن السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هكابي، اليوم الجمعة، عن انطلاق عملية تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، مؤكدًا أن آلية مستقلة عن العمليات العسكرية ستتولى عملية التوزيع، بمشاركة منظمات غير ربحية دولية، وسط استمرار الأزمة الإنسانية المتفاقمة في ظل الحرب المستمرة منذ شهور.
وخلال بيانه الصحفي، أوضح السفير هكابي أن الآلية التي سيتم اعتمادها لتقديم المساعدات ستعمل بمعزل عن أي تدخل عسكري مباشر، مشيرًا إلى أن إسرائيل لن تكون طرفًا مباشرًا في توزيع المساعدات، لكنها ستظل شريكًا أساسيًا في المنظومة الأمنية لضمان عدم تسرب الدعم إلى جهات تعتبرها واشنطن وتل أبيب "تهديدًا أمنيًا".
وأكد السفير أن النقاشات بشأن التفاصيل التنفيذية لتلك الآلية لا تزال جارية، متوقعًا انطلاق عملها قريبًا بمشاركة فاعلة من منظمات إنسانية دولية غير حكومية.
في تصريحاته، أقر هكابي بوجود "أزمة إنسانية حقيقية" في قطاع غزة، داعيًا إلى تفعيل الجهود الدولية لإيجاد حلول عاجلة تتناسب مع حجم الكارثة التي يعيشها المدنيون. وقال: "نحن بحاجة إلى إشراك جميع شعوب العالم والحكومات والمنظمات الحكومية لحل هذه المشكلة".
ورغم إقراره بالأزمة، تجنب السفير الأمريكي الخوض في تفاصيل حجم الكارثة أو وصف مدى خطورتها، وهو ما أثار تساؤلات حول طبيعة المساعدات المزمع تقديمها وحجمها الفعلي، وما إذا كانت ستلبي الحد الأدنى من احتياجات سكان القطاع الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الطبية.
وفي جانب آخر من تصريحاته، ربط السفير الأمريكي بشكل صريح بين أي وقف محتمل لإطلاق النار ومصير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، معربًا عن استغرابه من استمرار احتجازهم، وقال متسائلًا: "لماذا لا يزالون هناك؟ لم يُفرج عنهم بعد؟ إلى متى سيُعذب الرهائن داخل الأنفاق حتى يُفرج عنهم؟".
هذا الربط بين المسار الإنساني ومسألة الرهائن يثير جدلاً واسعًا في الأوساط الدولية، حيث ترى بعض المنظمات أن التخفيف من معاناة المدنيين يجب أن يكون أولوية إنسانية غير مشروطة، بينما تتمسك أطراف أخرى، لا سيما إسرائيل والولايات المتحدة، بمبدأ "لا تهدئة دون الإفراج عن الرهائن".
في تصريح حمل نبرة حادة، أكد السفير هكابي أن الأزمة الحالية "ليست بسبب إسرائيل، بل بسبب حماس"، مضيفًا أن الحركة "خلقت الأزمة وأطالت أمدها"، ودعا المجتمع الدولي إلى إدانة ما وصفه بـ "الممارسات التي قادت إلى تدمير البنية التحتية الإنسانية في القطاع".
هذا الموقف يعكس استمرار الخطاب الأمريكي الداعم لإسرائيل في حربها ضد حركة حماس، مع التركيز على تحميل الأخيرة كامل المسؤولية، وهو ما تعتبره أطراف أممية "اختزالًا غير منصف" للصراع، خاصة في ظل أعداد الضحايا المدنيين المرتفعة نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والحصار الممتد على القطاع منذ سنوات.
في ظل استمرار الحرب، يبدو أن الإعلان الأمريكي يمثل محاولة جديدة لضبط التوازن بين دعم الحليف الإسرائيلي والضغط الدولي المتزايد للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني في غزة.
وتواجه الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، اختبارًا أخلاقيًا وسياسيًا في كيفية التعامل مع الأوضاع المتدهورة، في وقت تتعالى فيه الأصوات من منظمات حقوقية دولية تطالب بهدنة إنسانية شاملة تسمح بوصول الإغاثة إلى كل المناطق المنكوبة دون استثناء أو شروط سياسية.
يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح الآلية الجديدة التي أعلنتها واشنطن في تجاوز التحديات اللوجستية والسياسية المعقدة؟ خصوصًا أن تجارب سابقة في دخول المساعدات واجهت عراقيل متعددة، بدءًا من التنسيق الأمني، مرورًا بالفحص الجمركي، وانتهاءً بمخاوف من مصادرة المساعدات أو استغلالها سياسيًا.
ويرى مراقبون أن نجاح المبادرة الأمريكية يعتمد بشكل أساسي على حياد الجهات المنفذة، وضمان وصول المساعدات إلى المستحقين دون تدخلات عسكرية أو أمنية تعرقل سير العملية.