في تطور لافت أعاد الأمل في تهدئة التوتر بين اثنتين من أكبر القوى النووية في جنوب آسيا، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار "كامل وفوري" بين الهند وباكستان، بعد أيام من تصعيد عسكري متسارع في إقليم كشمير المتنازع عليه.
وقال ترامب في تصريح رسمي: "أهنئ الهند وباكستان على تحليهما بالحكمة، والمنطق السليم، والذكاء الكبير في التعامل مع هذه الأزمة"، وأضاف أن وقف إطلاق النار يمثّل خطوة كبيرة نحو الاستقرار الإقليمي في واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.
ويأتي هذا الإعلان في أعقاب أول اتصال هاتفي مباشر بين البلدين منذ اندلاع المواجهات الأخيرة، وفقًا لما أوردته شبكة "سي إن إن نيوز 18" الهندية، وذكرت الشبكة أن القنوات الدبلوماسية ظلت مجمدة منذ تصاعد التوتر بين الطرفين في أعقاب هجوم دامٍ وقع بمدينة باهالغام السياحية الواقعة في إقليم كشمير، والذي أدى إلى مقتل 26 شخصًا.
وقد اتهمت نيودلهي إسلام آباد بدعم منفذي الهجوم عبر جماعات مسلحة تنشط من الأراضي الباكستانية، في حين نفت الحكومة الباكستانية هذه المزاعم بشدة، واعتبرتها "محاولة للهروب من الأزمات الداخلية" بحسب وصفها.
وقد رحّب وزير الخارجية الباكستاني، محمد إسحاق دار، بالخطوة، مؤكدًا أن بلاده لطالما سعت لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، دون أن يكون ذلك على حساب سيادتها الوطنية أو وحدة أراضيها.
وقال دار في تصريحات رسمية: "إننا نؤمن بالحلول الدبلوماسية، وسنظل ملتزمين بالسعي لتحقيق السلام الدائم في جنوب آسيا، بشرط أن يتم احترام المبادئ الأساسية لسيادة الدول".
النزاع بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير ليس وليد اليوم، بل يعود إلى لحظة التقسيم الدامي لشبه القارة الهندية في عام 1947، حين استقلت باكستان عن الهند تحت إشراف بريطاني، ومنذ ذلك الحين، خاضت الدولتان ثلاث حروب رئيسية، كانت كشمير أحد أسبابها الأساسية.
الإقليم، الذي يتمتع بأهمية جيوسياسية واقتصادية واستراتيجية، لا يزال نقطة اشتعال قابلة للانفجار في أي وقت، خصوصًا مع تصاعد النزعات القومية في البلدين، والاتهامات المتبادلة بتمويل جماعات مسلحة وتنفيذ عمليات داخل أراضي الطرف الآخر.
شهدت الأيام الماضية تصعيدًا خطيرًا على الأرض، تمثل في تبادل القصف المدفعي والصاروخي على جانبي خط السيطرة الذي يقسم كشمير إلى شطرين، أحدهما يخضع للإدارة الهندية والآخر للباكستانية.
وأفادت تقارير عسكرية بأن أكثر من 40 موقعًا على جانبي الحدود تعرضت لهجمات متبادلة، ما تسبب في مقتل عدد من العسكريين والمدنيين، فضلًا عن تدمير واسع في البنية التحتية للمناطق القريبة من الجبهة.
وكانت المخاوف الدولية قد تصاعدت من أن يؤدي التصعيد إلى مواجهة مفتوحة قد تستخدم فيها الأسلحة النووية، لا سيما وأن البلدين يمتلكان ترسانة نووية معتبرة، وأعربت دول عدة، من بينها الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، عن قلقها البالغ ودعت إلى التهدئة والحوار المباشر.
تأتي وساطة ترامب في وقت حساس، وتعيد إلى الأذهان محاولاته السابقة للعب دور الوسيط في النزاعات الدولية، والتي قوبلت في بعض الأحيان بالترحيب، وفي أخرى بالتشكيك، فقد سبق له أن عرض الوساطة في أزمة كشمير عام 2019، إلا أن الهند رفضت ذلك في حينه، متمسكة بموقفها الرافض لتدويل القضية، معتبرة أن كشمير "شأن داخلي".
وبالرغم من ابتعاده عن المشهد السياسي بعد مغادرته البيت الأبيض، لا يزال ترامب يمتلك قنوات تواصل وتأثير في عدة عواصم، ويبدو أنه حاول الاستفادة من هذه الأزمة لإعادة تسليط الضوء على دوره في الساحة الدولية.
رغم إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن المراقبين يرون أن الوضع لا يزال هشًا، وأن إمكانية تجدد الاشتباكات واردة في أي لحظة، ما لم يتم التوصل إلى آلية دائمة لمعالجة جذور النزاع، وأبرزها مستقبل إقليم كشمير، وحقوق سكانه، والاتهامات المتبادلة بالتدخل والتمويل والدعم المسلح.
وفي هذا السياق، دعت منظمات حقوقية إلى السماح للبعثات الدولية والمراقبين بزيارة الإقليم وتقييم الأوضاع ميدانيًا، خاصة في ظل تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان، وفرض قيود على الإعلام والتنقل في كلا الجانبين.
إن التوصل إلى وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان يُعد إنجازًا مهمًا، لكنه لا يمثل سوى خطوة أولى في طريق طويل وشاق نحو سلام دائم، ما تحتاجه المنطقة الآن هو إرادة سياسية شجاعة، وحوار حقيقي مبني على الاحترام المتبادل والرغبة في تجنب الحروب الكارثية، فالحرب لن تكون رابحًا لأي من الطرفين، أما السلام فبإمكانه أن يغير وجه جنوب آسيا إلى الأبد.