يشهد ملف الإجازات الرسمية في المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة من التحديث التنظيمي، بعد موافقة مجلس الوزراء مؤخرًا على تعديل سابق يخص العطل الرسمية الخاصة بعيدي الفطر والأضحى، وهو القرار الذي حمل في طياته تغييرات دقيقة قد تمهّد لإعادة هيكلة شاملة لأنظمة الإجازات في الجهات الحكومية، ما يفتح المجال أمام متغيرات مرتقبة على نطاق فئات محددة من الموظفين والمتعاقدين.
والتعديل الجديد، الذي أقره المجلس في جلسته الأخيرة، نص على أن إجازات العيدين لموظفي الجهات الحكومية التي تطبق نظام العمل ستكون بحد أدنى أربعة أيام عمل، وبحد أقصى خمسة أيام عمل، وهو ما يهدف إلى إيجاد نوع من التوازن بين مقتضيات العمل ومتطلبات الإجازات الدينية، مع مراعاة مرونة التوقيت بحسب جدول أيام الأسبوع وموقع العيد في التقويم.
إقرأ ايضاً:
زلزال في الكرة السعودية... انسحاب الهلال من السوبر والأهلي هو البديل!!وسط تحذيرات واسعة النطاق .. موجة حر خانقة وعواصف ترابية تضرب 8 مناطق في المملكةوفي سياق متصل، أوضح المختص في الموارد البشرية صالح الديري، أن القرار يحمل أبعادًا تنظيمية أكثر من كونه إجراءً مؤقتًا، مشيرًا إلى أنه قد يفتح الباب لاحقًا أمام تحديد فئات جديدة يتم إدراجها ضمن هذا الإطار، وذلك وفق رؤية تنظيمية أوسع ترتبط بالهيكل الإداري والوظيفي للجهات الحكومية المتنوعة.
وأكد الديري أن منح وزيري المالية والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الصلاحية لتحديد تلك الفئات، يعكس توجهًا عمليًا لتوسيع شريحة المستفيدين من هذه التعديلات مستقبلًا، خصوصًا المتعاقدين الذين لا تشملهم بعض الحقوق النظامية حاليًا بنفس الامتيازات التي يحظى بها الموظف الرسمي في الخدمة المدنية.
ويُستثنى من نطاق تطبيق هذا التعديل الموظفون الخاضعون لنظام الخدمة المدنية في الجهات الحكومية، باستثناء المتعاقدين ضمن برنامج الكفاءات أو من يشغلون وظائف وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين بعقود خاصة، وهؤلاء قد يكونون ضمن الفئات المستهدفة مستقبلًا بالتوسعة التي ألمح إليها الديري.
ويعكس هذا التوجه رغبة في ترسيخ مبدأ العدالة الوظيفية بين الموظفين الرسميين والمتعاقدين، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من الكفاءات الوطنية باتت تتجه إلى التعاقد ضمن برامج مرنة لا تخضع بالكامل لنظام الخدمة المدنية التقليدي، وهو ما يتطلب إعادة نظر في المزايا التي يحصلون عليها بما في ذلك العطل الرسمية.
ويأتي القرار أيضًا استجابة لحاجة بعض القطاعات إلى مرونة في تطبيق الإجازات، لا سيما في الجهات التي تتعامل مع الجمهور أو ترتبط بجداول تشغيلية دقيقة، إذ يتيح هذا التعديل للجهات المعنية ضبط أيام الإجازة وفق ما يتماشى مع مصلحة العمل، دون الإخلال بحقوق الموظف في التمتع بإجازة العيد.
كما أن تحديد الحد الأدنى والأقصى لأيام إجازة العيد يضع نهاية للتفاوت السابق الذي كان يحدث أحيانًا بين جهات مختلفة في تحديد مدة الإجازة، وهو ما كان يسبب ارتباكًا للموظفين وتباينًا في مستوى الاستفادة من العطل بين القطاعات الحكومية.
ومن المتوقع أن تعمل الوزارات المعنية خلال المرحلة المقبلة على دراسة الفئات التي يمكن شملها بهذا التعديل، بناءً على طبيعة التعاقد ومهام العمل والارتباط الزمني بالإجازات، وهو ما قد يتطلب إصدار لوائح تنفيذية توضح تفاصيل التطبيق وآلية احتساب الأيام لكل فئة.
ويُعدّ هذا التعديل جزءًا من سلسلة تحديثات إدارية تقودها الحكومة ضمن إطار رؤية السعودية 2030، والتي تسعى إلى تحسين بيئة العمل الحكومي، وزيادة الجاذبية الوظيفية، والحد من الفجوة بين نظامي الخدمة المدنية ونظام العمل، لا سيما مع تنامي التوظيف التعاقدي في عدد من الوزارات والهيئات.
ويرى مراقبون أن مثل هذه التعديلات تمهّد لمزيد من التغيرات في ملف الموارد البشرية، منها إعادة هيكلة العلاوات، وتنظيم مسارات التوظيف، وإيجاد نوع من المرونة في تعيين الكفاءات دون التقيد الكامل بنمط التوظيف التقليدي، بما يعزز جودة العمل ويواكب المتغيرات الاقتصادية والتقنية.
وإذا تم فعليًا إدراج فئات جديدة ضمن قرار العطل الرسمية، فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على خطط العمل الموسمية في بعض القطاعات، مثل قطاع الحج والعمرة، والرعاية الصحية، والقطاع البلدي، حيث تتطلب طبيعة العمل استمرارية تشغيلية خلال مواسم العيدين، مما يستدعي إعادة تنظيم الجداول التشغيلية.
ويُتوقع أن يحظى هذا القرار باهتمام كبير من المتعاقدين والموظفين على حد سواء، حيث يُنظر إليه كخطوة أولى نحو المساواة في الحقوق، وتحقيق مبدأ الاستحقاق الوظيفي، لاسيما في ظل تنامي دور المتعاقدين في إدارة المشاريع والمبادرات الحكومية المختلفة.
ويؤشر هذا التوجه إلى وعي حكومي متزايد بتعقيدات المشهد الوظيفي وتنوع صيغ التوظيف، مما يستدعي قرارات مرنة قابلة للتوسع مستقبلًا، وهو ما عبّر عنه تصريح الديري بشأن احتمالية توسعة الفئات المشمولة ليشمل القرار أكبر عدد ممكن من المستحقين.
ولا يُستبعد أن تتضمن الخطوات المقبلة تقييمًا شاملاً لتأثير هذا التعديل على أداء القطاعات الحكومية، ودرجة رضا الموظفين، ومدى انعكاس القرار على كفاءة الإنتاج والعمل خلال فترات ما بعد الإجازة، في ظل السعي لتحسين التوازن بين الحياة العملية والشخصية للموظف الحكومي.
ويشكل تنظيم الإجازات جزءًا أساسيًا من بيئة العمل الصحية، إذ إن وضوحها ينعكس إيجابًا على نفسية الموظف وأدائه العام، كما أن تحديدها بشكل دقيق يسهم في تقليل الهدر الزمني، ورفع كفاءة التغطية التشغيلية في مختلف الإدارات.
وتبقى الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما إذا كانت الجهات المختصة ستسارع في تحديد الفئات الجديدة المشمولة، أو ستبقي الأمر مرهونًا بتطورات ميدانية، ومراجعات تنظيمية تهدف إلى المواءمة بين الحقوق والواجبات وفقًا لما تقتضيه المصلحة العامة.