يستعد سكان نصف الكرة الأرضية الشمالي، وتحديدًا في المملكة العربية السعودية، لمشاهدة ظاهرة فلكية سنوية بارزة تُصادف يوم السبت المقبل، الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة لعام 1446 هـ، وتتمثل هذه الظاهرة في الانقلاب الصيفي، وتعامد أشعة الشمس بشكل مباشر على مدار السرطان، وهو أقصى نقطة تصل إليها الشمس في مسارها الظاهري نحو شمال الكرة الأرضية، وهذه النقطة الفلكية المهمة، التي تقع بالقرب من محافظة حوطة بني تميم جنوبي منطقة الرياض، تُعد علامة فارقة في التقويم الفلكي، وتُعلن عن بداية فصل الصيف فلكيًا، وفقًا لما أوضحه الباحث في الطقس والمناخ، الأستاذ عبدالعزيز الحصيني.
تُشير هذه الظاهرة الفلكية، التي تتكرر كل عام، إلى دخول فصل الصيف رسميًا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ويُسجَّل في هذا اليوم تحديدًا أطول نهار وأقصر ليل على مدار العام، وهو ما يمثل ذروة مسار الشمس الظاهري في الشمال، وبعد هذا اليوم، تبدأ ساعات النهار في التناقص تدريجيًا، لتفسح المجال لساعات الليل التي تتزايد تدريجيًا، وذلك بعد ثلاثة أيام من تعامد الشمس على مدار السرطان، إيذانًا ببدء رحلة الشمس الظاهرية عائدةً نحو الجنوب.
إقرأ ايضاً:ضحايا السرطان يعادلون قتلى الحرب: معاناة مزدوجة في اليمن المنكوب13 منتخبًا يتأهلون رسميًا لمونديال 2026 بقيادة البرازيل والأردن
تُعرف هذه المرحلة الفلكية في الموروث العربي الأصيل باسم "حرّ الانصراف"، ولقد جرى على ألسنة العرب القدماء مقولة شهيرة تلخص طبيعة هذه الفترة: "لا حر إلا بعد الانصراف"، هذه المقولة العميقة تُشير إلى أن اشتداد الحرارة الحقيقي لا يبلغ ذروته إلا بعد أن تبدأ الشمس في التحول جنوبًا وتغادر تعامدها السنوي على مدار السرطان، وهذا التحول يرتبط بميل الشمس الزاوي الأقصى نحو الشمال، قبل أن تبدأ في العودة أدراجها باتجاه خط الاستواء ومن ثم نحو الجنوب، وهو ما يُفسر ارتفاع درجات الحرارة بعد هذه النقطة.
يُعد الانقلاب الصيفي من أبرز الظواهر الفلكية الموسمية التي يعتمد عليها المختصون والفلكيون بشكل كبير في تحديد بدايات الفصول الأربعة بدقة متناهية، فمن خلال مراقبة حركة الشمس وموقعها الظاهري في السماء، يمكن للفلكيين تتبع التغيرات المناخية الموسمية التي تترتب على هذا التغير في موقع الشمس، وهذه الظاهرة لا تقتصر على كونها مجرد حدث فلكي، بل تمتد تأثيراتها لتشمل جوانب حياتية عديدة.
يترتب على الانقلاب الصيفي تأثيرات محسوسة ومباشرة على طول ساعات النهار في مناطق واسعة من نصف الأرض الشمالي، ففي هذا اليوم، يستمتع السكان بأطول فترة ضوئية خلال العام، وهو ما يُمكن أن يؤثر على الأنشطة اليومية، الزراعة، وحتى أنماط النوم، وهذا التغير في طول النهار يؤثر أيضًا على توزيع الحرارة، حيث تتلقى المناطق الشمالية كمية أكبر من الإشعاع الشمسي، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة تدريجيًا خلال فصل الصيف.
إن متابعة هذه الظواهر الفلكية ليست مجرد شغف علمي، بل هي جزء لا يتجزأ من فهمنا لدورة الحياة على الأرض، فالتغيرات في موقع الشمس ومحاور الأرض تؤثر بشكل مباشر على المناخ، النظم البيئية، وحتى السلوك البشري، إن دقة هذه الحسابات الفلكية تُسهم في تعزيز معرفتنا بالكون من حولنا، وتُمكننا من التكيف مع التغيرات الموسمية بشكل أفضل.
وفي سياق المملكة العربية السعودية، حيث تُعد درجات الحرارة المرتفعة سمة مميزة لفصل الصيف، يأتي الانقلاب الصيفي كعلامة واضحة على بدء الفترة الأشد حرارة في العام، وهذا يُعطي فرصة للجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة وصحة السكان خلال هذه الفترة، وتوعيتهم بأهمية التعامل مع الطقس الحار.
باختصار، يُشكل الانقلاب الصيفي وتعامد الشمس على مدار السرطان حدثًا فلكيًا هامًا يُعلن عن ذروة الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وهو ليس مجرد ظاهرة سماوية، بل هو جزء من دورة طبيعية تؤثر على حياتنا بشكل مباشر، وتُعيد للأذهان ارتباط الحضارات القديمة، بما فيها العربية، بحركة الأجرام السماوية في تحديد مواسمها وأنشطتها.