في خطوة بيئية لافتة، شهدت قرية الفريش غرب المدينة المنورة عملية نقل خمس أشجار معمّرة من نوع السمر والسيّال إلى موقع جديد، ضمن جهود المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر لحماية التنوّع البيئي في منطقة المدينة.
هذه العملية التي نفّذها فريق مختص بالتعاون مع جمعية تعاونية زراعية محلية، جاءت استجابة لحاجة مشروع تجاري في مجال الطاقة والمحروقات إلى استغلال المساحة التي كانت الأشجار تقع ضمن نطاقها، مما استدعى تدخلاً سريعًا لضمان عدم تعرّض هذه الأشجار النادرة للإزالة.
إقرأ ايضاً:بصحة أفضل ورؤية 2023 .. السعودية تقود الوعي الغذائي بإلزام المطاعم بكشف كل التفاصيللحظات فارقة تنقذ سبعيني من الموت.. خلل في جهاز القلب واستجابة عاجلة تغيّر المصير!
المركز أوضح أن المبادرة لا تهدف فقط إلى إنقاذ الأشجار من الزوال، بل تتعدى ذلك إلى توفير رعاية بيئية متكاملة لها في بيئتها الجديدة، ما ينسجم مع التوجه الوطني لحماية الموارد الطبيعية والحفاظ على النظم البيئية المحلية، خصوصًا تلك التي تواجه تهديدات متزايدة بفعل التوسع العمراني والمشاريع الاستثمارية.
وتُعتبر الأشجار التي نُقلت من الأنواع النادرة التي تنتمي لعائلة الأكاسيا، والتي يصل عمر بعضها إلى مائة عام، ما يمنحها قيمة بيئية وتاريخية لا تقدر بثمن.
تضمن المشروع وضع خطة دقيقة لنقل الأشجار، بدأت بتقييم حالتها الصحية، وتحديد قابليتها لتحمّل النقل دون أن تتعرض لأضرار جسيمة، وقد استعان الفريق بمعدّات خاصة لتنفيذ عمليات الحفر وتهيئة المواقع، مع الحرص على نقل الأشجار بطريقة تحافظ على تماسك الجذور والتربة المحيطة بها، لتقليل نسبة الإجهاد التي قد تصيبها بفعل النقل المفاجئ.
من أبرز الخطوات المتبعة قبل النقل، تقليم الأغصان الزائدة وحفر خنادق دائرية على مسافة مناسبة من جذوع الأشجار لتحفيز نمو الجذور الجديدة. كما تم توفير الريّ الجيد للأساسات النباتية قبل الشروع في التحريك، وإضافة الأسمدة العضوية لدعم التربة المحيطة.
كما جرى لفّ الجذور بمواد خاصة لحمايتها من التفكك أثناء عملية النقل، مع تثبيت جذوع الأشجار بإحكام على الآليات المستخدمة منعًا لسقوطها أو تأثرها بالرياح.
الموقع الجديد الذي استقبل الأشجار حظي بتهيئة بيئية كاملة، حيث تم اختبار التربة والتأكد من ملاءمتها لنوع الأشجار المنقولة، إلى جانب تهيئة نظام ريّ مناسب، وتحسين تصريف المياه لتفادي الركود أو الجفاف، وأوضح المركز أنه سيستمر في مراقبة الأشجار عن كثب، بحثًا عن أي مؤشرات على الإجهاد مثل اصفرار الأوراق أو ضمور الجذوع.
وفيما تُعد هذه المبادرة نموذجًا يُحتذى به في ممارسات التنمية البيئية المستدامة، فإنها تكشف في الوقت ذاته عن إمكانيات التوفيق بين مشروعات التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة الطبيعية، إذا ما توفّرت الإرادة والتقنيات والخبرات المناسبة.
ويأمل القائمون على المشروع أن تسهم هذه الخطوة في توعية المجتمع بأهمية الغطاء النباتي، وضرورة إيجاد حلول بديلة عند تعارض المشروعات مع الحياة البيئية.
المبادرة أيضًا تحمل رسالة واضحة مفادها أن الأشجار ليست مجرد كائنات جامدة، بل ذاكرة حية للمكان وركن أصيل من هويته البيئية والثقافية، ما يتطلب منا جميعًا التعاون لحمايتها من أي تهديد محتمل، والعمل على إيجاد توازن دائم بين عجلة التنمية ومتطلبات الاستدامة البيئية.
هذه الرسالة تزداد أهمية في منطقة مثل المدينة المنورة، التي تمثّل موئلًا غنيًا بالتنوع النباتي والحيوي، ويجب الحفاظ عليه لصالح الأجيال القادمة.
وفي ضوء التحديات المناخية المتسارعة، تعكس هذه الجهود اتجاهاً وطنيًا صادقًا نحو تعزيز الوعي البيئي، وتفعيل برامج تنموية مستدامة تصب في مصلحة المجتمع ككل، وهو ما يجب أن يُحتذى به في مختلف مناطق المملكة، فالعناية بالشجرة، لا سيما تلك التي تجاوز عمرها المائة عام، هي في جوهرها عناية بالحياة نفسها، وحماية لروح الأرض من الذبول.