أنجزت جامعة الملك عبدالعزيز مشروعًا بحثيًا جديدًا يمثّل نقلة نوعية في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين سلامة الطرق السريعة، المشروع يهدف إلى رصد مخالفات المسار الطارئ في الوقت الفعلي، من خلال نظام ذكي يعتمد على تقنيات متقدمة في الرؤية الحاسوبية، وهو نتاج جهد طلابي بحثي من قسم الجيوماتكس بكلية العمارة والتخطيط.
يعتمد النظام على جهاز "Raspberry Pi"، وهو كمبيوتر صغير الحجم وذو تكلفة منخفضة، ما يمنح المشروع ميزة اقتصادية مهمة، ورغم بساطة الجهاز، فإن ما يميز المشروع هو توظيفه لخوارزميات معقدة للتعرف على الأجسام، وفي مقدمتها خوارزمية "YOLO" الشهيرة، التي تم تدريبها خصيصًا لرصد المركبات التي تعتدي على المسارات المخصصة للطوارئ.
إقرأ ايضاً:جهود لا تتوقف.. وزارة الشؤون الإسلامية تودّع الحجاج بهدية خالدة تجسّد كرم الضيافة السعوديةالزكاة والضريبة تحذر.. حتى لو لم يكن هناك ضريبة مستحقة، عدم التقديم يعرضك للغرامة
يقوم النظام بتحليل مقاطع الفيديو مباشرة، مع التركيز على مناطق الاهتمام المحددة ضمن الإطار، والتي تعرف اختصارًا بـ"ROI"، هذه المناطق تُراقب بدقة للكشف عن أي مركبة تنحرف إلى المسار الطارئ دون مبرر، مما يسمح بالتدخل السريع من قبل الجهات المختصة، وبالتالي تقليل احتمالات وقوع كوارث ناتجة عن تأخر وصول فرق الطوارئ.
وقد تم تطوير هذا المشروع بإشراف نخبة من الأكاديميين المتخصصين في قسم الجيوماتكس، وهم الدكتور كامل فيصل، والدكتور عبدالله العطاس، والدكتور مهند أبو هاشم، والدكتور محمود الخفش، مما يعكس مدى تكامل الجهد البحثي الأكاديمي مع الطاقات الطلابية الواعدة في الجامعة.
الطالبان المشاركان في المشروع، أنس الحربي ومحمد المروعي، قدّما مثالًا ملهمًا على الابتكار في بيئة أكاديمية محفزة، حيث تمكّنا من توظيف معرفتهما النظرية وتحويلها إلى حل عملي واقعي يخدم المجتمع ويعزز من كفاءة البنية التحتية التقنية في قطاع النقل والمواصلات.
ما يجعل هذا المشروع مميزًا ليس فقط قدرته على الرصد الفوري، بل أيضًا ملاءمته لتوجهات المدن الذكية، إذ يتماشى مع التحول الرقمي الذي تشهده المملكة في إطار رؤية 2030، كما يوفر النظام فرصة ثمينة لتطبيقه على نطاق واسع من قبل الجهات المرورية والبلديات والمؤسسات الحكومية المعنية بالسلامة العامة.
تتمثل الأهمية القصوى لهذا الابتكار في مساهمته في تقليل زمن الاستجابة للحوادث الطارئة، وهي مسألة بالغة الحساسية، إذ إن بضع دقائق قد تعني الفرق بين الحياة والموت، فالحفاظ على خلو المسارات الطارئة من المركبات المتطفلة يسهم مباشرة في إنقاذ الأرواح.
الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مثل هذه المشاريع يمثل انعكاسًا لتطور التعليم العالي في المملكة، وانتقاله من النمط التقليدي إلى البحث التطبيقي، بما يلبّي متطلبات التنمية ويعزز من مكانة الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية.
اللافت أن المشروع يتمتع بكفاءة عالية رغم كلفته المنخفضة، وهو أمر نادر الحدوث في عالم الأنظمة التقنية، حيث غالبًا ما ترتبط الجودة بالتكلفة، هذا الأمر يجعله مناسبًا للتطبيق في مختلف مناطق المملكة، بما في ذلك المحافظات النائية التي تحتاج إلى حلول فعالة وغير باهظة.
ويعد مجال الجيوماتكس الذي ينتمي إليه المشروع أحد التخصصات المتقدمة في معالجة البيانات الجغرافية الرقمية، حيث يجمع بين المعرفة الهندسية وتقنيات الحوسبة، ويتيح للدارسين فيه تحليل وتصور المعلومات المكانية بدقة متناهية.
هذا التخصص يُعرف كذلك بمسميات مثل "علم المعطيات الجغرافية" أو "هندسة المساحة الرقمية"، ويشمل نطاقًا واسعًا من التطبيقات تبدأ من رسم الخرائط وتنتهي بإدارة البنية التحتية الذكية للمدن، ما يعكس اتساع إمكاناته المستقبلية.
ويبرز المشروع أيضًا كمثال على كيف يمكن للمبادرات الطلابية، حين تتلقى الدعم والتوجيه المناسبين، أن تؤثر فعليًا في تطوير حلول للمشكلات المجتمعية المتكررة، وتفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي ذي الأثر الملموس.
جامعة الملك عبدالعزيز من خلال هذا الإنجاز تؤكد مرة أخرى على التزامها بتعزيز ثقافة الابتكار والبحث، والعمل على تأهيل جيل جديد قادر على تطوير أدوات ذكية، تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة تقنيًا على مستوى العالم.
وفي ظل التوجه العالمي نحو الرقمنة، فإن أنظمة مثل هذه تمثل أدوات لا غنى عنها للارتقاء بكفاءة الخدمات العامة، وتعزيز مفاهيم السلامة، والتصدي للعشوائية في استخدام البنية التحتية، عبر تقنيات تعمل دون كلل أو انحياز.