مع دخول فصل الصيف ذروته في المملكة العربية السعودية، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن بدء تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس المباشرة، والذي يمتد سنويًا من منتصف يونيو وحتى منتصف سبتمبر، ويهدف إلى حماية صحة العاملين والحد من المخاطر المرتبطة بدرجات الحرارة العالية التي تتكرر خلال هذه الفترة من العام.
وشددت الوزارة شددت في بيانها على أن هذا القرار لا يشمل كافة فئات العاملين في الميدان، إذ تم استثناء بعض الفئات الوظيفية التي تستوجب طبيعة أعمالها التواجد في الأماكن المكشوفة خلال النهار، حيث ورد ضمن قائمة الاستثناءات العاملون في شركات النفط والغاز، وفرق الطوارئ والصيانة للحالات العاجلة التي لا يمكن تأجيلها لأي ظرف كان.
إقرأ ايضاً:
غربلة قوية في الاتحاد..... محترف الاتحاد يُغادر والسبب يٌثير الجدل!مزارع العلا تروي عطش الأسواق..... 50 ألف شجرة مانجو تنتج أكثر من ألف طن سنويًا!كما ضمّت قائمة الاستثناءات العاملين في القطاع الزراعي ممن يتعاملون مع الماشية أو يشتغلون في الرعي، بالإضافة إلى البحارة على السفن التي تقل حمولتها عن 500 طن، وهو ما يعكس تفهم الوزارة لطبيعة بعض الوظائف التي تقتضي العمل في ظروف ميدانية لا يمكن التحكم بها بشكل كامل أو تقييدها بزمن محدد.
ووفقًا للوزارة، تم استثناء فئة أخرى وهي العمالة الوافدة التي يتم التعاقد معها مؤقتًا لأداء مهام لا تتجاوز شهرين، حيث لا يسري عليهم قرار الحظر نظرًا لقصر مدة التعاقد وضيق نطاق العمل، مع التأكيد على ضرورة توفير سبل الحماية الأساسية لهؤلاء العمال خلال مدة تواجدهم.
ورغم وضوح التعليمات، رُصدت ميدانيًا مخالفات في أول أيام تطبيق القرار، حيث تابعت جهات إعلامية استمرار بعض الشركات في تشغيل عمالها تحت أشعة الشمس الحارقة في أحياء متعددة من المنطقة الشرقية، مما أثار حالة من الجدل والاستياء في الأوساط المجتمعية وبين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد عبر المواطن عباس الأبيض عن استيائه من استمرار هذه المخالفات رغم التحذيرات الرسمية، مؤكدًا أن التهاون في تنفيذ القرار يمثل استهتارًا صريحًا بأرواح العمال، الذين يقضون ساعات طويلة في بيئة عمل شديدة القسوة قد تؤدي إلى إصابات خطيرة أو حتى الوفاة في بعض الحالات.
ومن جانبها، طالبت المواطنة زهراء المحسن باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، داعية إلى كشف أسماء الشركات المخالفة علنًا لخلق رادع مجتمعي فعال، معتبرة أن احترام العامل وظروفه هو مقياس حقيقي لإنسانية المؤسسات، خاصة في ظل الأجواء المناخية القاسية التي تشهدها البلاد في موسم الصيف.
وبدوره، أبدى أحد العمال الوافدين ويدعى أحمد مصطفى تفهمه للقرار، مشيرًا إلى أنه بالرغم من خطورة العمل تحت أشعة الشمس إلا أن بعض الظروف العملية تجبرهم على مواصلة العمل لتلبية متطلبات أصحاب العمل، داعيًا إلى إيجاد حلول مثل تعديل ساعات العمل أو توفير أماكن ظل وتبريد لتقليل تأثير الحرارة.
ومن الناحية الصحية، أكدت الدكتورة فاطمة حسين، استشارية طب الأسرة، أن العمل تحت الشمس المباشرة لساعات طويلة يعرض الأفراد لمجموعة من الأضرار الصحية، أهمها ضربات الشمس، والجفاف، وحروق الجلد، وقد تصل في بعض الحالات إلى مضاعفات قاتلة مثل الفشل الكلوي أو السكتة الدماغية الحرارية.
وأضافت أن من أبرز الأعراض التي يجب الانتباه لها هي الإرهاق الشديد، والدوار، وتسارع النبض، وهي مؤشرات على تعرض الجسم لإجهاد حراري، مشيرة إلى أن تجاهل هذه الإشارات يعرض العامل للخطر بشكل مباشر، خاصة في ظل غياب التهوية المناسبة وعدم توفر وسائل التبريد والمياه الكافية.
وفي هذا السياق، ألزمت وزارة الموارد البشرية أصحاب الأعمال بتوفير مجموعة من المتطلبات الأساسية لحماية العاملين، أبرزها تجهيز مواقع العمل بمظلات أو تغطيات، وتوفير مياه شرب باردة بكميات كافية، مع ضرورة وجود شخص مدرب لمراقبة حالات الإجهاد الحراري والتعامل معها فورًا عند ظهور أي أعراض.
كما شمل القرار إلزام الشركات باستخدام أجهزة لقياس درجة الحرارة والرطوبة في مواقع العمل المكشوفة، وإجراء الفحوصات الطبية الدورية على العاملين للتأكد من لياقتهم الصحية للعمل في الظروف المناخية الحادة، وهي إجراءات تهدف إلى التقليل من الإصابات وحماية الأرواح في المقام الأول.
وفيما يتعلق بالغرامات، فقد أوضحت الوزارة أن مخالفة القرار قد تكلف الشركات مبالغ تصل إلى 25 ألف ريال، بحسب حجم المخالفة وعدد العمال المتضررين وتكرار التجاوز، مع التأكيد على أن العقوبة تبدأ من 1000 ريال، ما يشير إلى جدية الوزارة في التصدي لأي تجاوز قد يهدد سلامة العاملين.
وأكدت الوزارة أن القرار لا يسري على جميع الأعمال الخارجية، بل يقتصر على الأنشطة التي تتضمن تعرضًا مباشرًا ومستمرًا لأشعة الشمس، بينما يُسمح بالاستمرار في الأنشطة التي تتوفر فيها وسائل وقاية فعالة أو التي تتم داخل مبانٍ مفتوحة ذات تهوية جيدة لا تمثل خطرًا صحيًا كبيرًا.
ويُعد هذا القرار جزءًا من جهود المملكة في تعزيز بيئة العمل اللائقة وتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، حيث تهدف المبادرات الحالية إلى توفير بيئة عمل آمنة، وتقليل الإصابات المرتبطة بالعمل، ورفع مستوى الوعي لدى أصحاب العمل والعمال بحقوقهم وواجباتهم في ظروف العمل المختلفة.
ويأتي ذلك في ظل التغيرات المناخية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي تزيد من حدة موجات الحر وتكرارها سنويًا، مما يتطلب تفعيل أدوات حماية فعالة على مستوى التشريع والتطبيق، بالتوازي مع رقابة صارمة لضمان الالتزام وتحقيق الأثر المطلوب من هذه القرارات التنظيمية.