شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات متسارعة من قبل كبرى الشركات الصينية المصدرة للبحث عن ملاذات آمنة لإنتاجها بعيدًا عن تداعيات الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث تبرز مصر كوجهة استراتيجية واعدة لتوطين الصناعات الصينية الباحثة عن منافذ للسوق الأمريكية.
تقف مجموعة "بيفا" العملاقة لصناعة الأقلام والقرطاسية في مقدمة الشركات الصينية التي تسعى لإعادة هيكلة استراتيجيتها التصديرية، خاصةً بعد أن وجهت حملة الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة موجعة لصادراتها التي تعتمد على السوق الأمريكية بنسبة تصل إلى 40% من إجمالي مبيعاتها، وهو ما يمثل 60 مليون دولار سنويًا، الأمر الذي أجبر الشركة على إلغاء عدد من الصفقات المهمة خلال شهر أبريل الماضي، ووضع المئات من فرص العمل في دائرة الخطر.
مؤسس الشركة البالغ من العمر أكثر من 60 عامًا لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحدي الاقتصادي الكبير، بل سارع للسفر إلى عدة دول بعيدة عن الصين، وكانت مصر في مقدمة الوجهات التي استكشفها لإقامة خطوط إنتاج جديدة، وفقًا لما نقلته صحيفة "SCMP" الصينية المستقلة، حيث يرى في السوق المصرية فرصة استثنائية بسبب عدة عوامل استراتيجية، أبرزها أن مصر تعاني من عجز تجاري مع الولايات المتحدة، مما يجعلها في مأمن نسبي من الإجراءات الجمركية التصعيدية، بالإضافة إلى كونها من أقل الدول تأثرًا بالتعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة، التي لا تتجاوز 10% مقارنةً بالرسوم الباهظة المفروضة على الصين والتي وصلت إلى 156% بعد الزيادات الأخيرة.
وكشف تشيو بو جينغ، نجل مؤسس الشركة ونائب رئيسها، أن إنشاء مصنع في مصر لا يستهدف فقط تجاوز العقبات الجمركية للوصول إلى السوق الأمريكية، بل يمتد طموح الشركة لاستغلال الموقع الاستراتيجي لمصر للوصول إلى الأسواق الأوروبية واستكشاف الفرص الواعدة في القارة الأفريقية، مضيفًا أن الشركة حددت موعدًا لاجتماع مهم هذا الشهر مع شركائها الأمريكيين لمناقشة احتمالية إنشاء خطوط إنتاج على الأراضي الأمريكية، مع إقراره بأن هذا الخيار يبدو أكثر تعقيدًا وبعيد المنال في الوقت الراهن.
تأتي هذه التطورات في خضم حرب تجارية غير مسبوقة بين الولايات المتحدة والصين، حيث فرض ترامب رسومًا جمركية بلغت 145% على الواردات الصينية منذ بداية العام الجاري، لترتفع بذلك المعدلات الفعلية إلى حوالي 156% بالإضافة إلى الرسوم السابقة، في إطار سياسته الهادفة لخفض العجز التجاري وتعزيز التصنيع المحلي، وهو ما قابلته الصين بإجراءات انتقامية مماثلة فرضت بموجبها رسومًا جديدة بنسبة 125% على جميع السلع الأمريكية، مما دفع الشركات الصينية للبحث عن بدائل لإنقاذ أعمالها وحصصها السوقية العالمية.
في الوقت الحالي، منح قرار ترامب بتعليق زيادات الرسوم الجمركية الأعلى لمدة 90 يومًا على معظم شركاء أمريكا التجاريين - باستثناء الصين - شركة "بيفا" بعض الوقت للتنفس وإعادة ترتيب أوراقها، حيث يمكنها الآن شحن الطلبات مسبقًا من منشآتها في فيتنام، وهي دولة منحت مهلة بعد أن فرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 46%، لكن الشركة تصر على أن خططها طويلة الأجل تتجاوز جنوب شرق آسيا وتتطلع بجدية نحو إقامة استثمارات صناعية في مصر كحل استراتيجي مستدام.