نفّذت السلطات المختصة في المملكة العربية السعودية، صباح اليوم الثلاثاء، حكم القتل تعزيرًا بحق مواطنة سعودية تُعرف إعلاميًا بـ"خاطفة الدمام" وشريكها، بعد أن أدينا في قضايا اختطاف أطفال حديثي الولادة من مستشفيات حكومية، وممارسة السحر والشعوذة، وتزوير مستندات رسمية على مدى أكثر من عقدين، والحكم الذي أثار اهتمامًا واسعًا في الرأي العام، جاء بعد رحلة قضائية طويلة كشفت عن واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها المجتمع السعودي خلال العقود الأخيرة.
وتعود فصول هذه الجريمة إلى التسعينيات، حيث باشرت الجهات الأمنية تحقيقاتها المكثفة في عام 2019، بعد تلقيها بلاغات عن امرأة تحتضن عدداً من الشبان دون وجود علاقة بيولوجية واضحة معهم، والتحقيقات كشفت، عبر الفحوص الوراثية (DNA)، أن هؤلاء الشبان تم اختطافهم وهم رُضّع من مستشفيات مختلفة في مدينة الدمام خلال فترات زمنية متفرقة، ليتم تربيتهم لاحقًا على أنهم أبناءها الشرعيين.
بدأت سلسلة الجرائم المروعة في عام 1417هـ (1996م)، عندما أقدمت الجانية على خطف طفل من مستشفى الولادة والأطفال في الدمام واستغلت في ذلك انشغال العاملين في القسم وغياب المراقبة الدقيقة وتكررت الحادثة بعد ثلاث سنوات، في عام 1420هـ (1999م)، حينما انتحلت صفة ممرضة واقتادت طفلًا آخر من والدته بحجة إجراء فحوصات طبية ثم عادت في عام 1421هـ (2000م) لتكرر السيناريو ذاته، مكتملة بذلك ثلاث عمليات اختطاف خططت لها بعناية ودهاء إجرامي لافت.
بعد اختطاف الأطفال، عمدت المرأة إلى تسجيلهم باستخدام هويات مزورة، ونسبتهم إلى أسماء وهمية، لتخفي آثار جرائمها طوال سنوات، إلا أن ما زاد من تعقيد القضية هو تورط شريكها، وهو مواطن سعودي، في عمليات التزوير ومساعدتها في تنفيذ الجرائم، كما أثبتت التحقيقات تورط الطرفين في أعمال سحر وشعوذة بهدف تضليل من حولهم والتأثير على الجهات التي قد تشك في أمرهم.
القضية أُحيلت إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، التي باشرت جلساتها في النظر بالأدلة والشهادات واستمعت المحكمة إلى الضحايا وأسرهم، واطّلعت على تقارير الطب الشرعي والأدلة الجنائية، بالإضافة إلى اعترافات المتهمين التي صُدّقت شرعًا، وخلصت المحكمة إلى ثبوت الإدانة الكاملة بحقهما في اختطاف أطفال، وتزوير وثائق رسمية، واستخدام أعمال محظورة كالسحر والشعوذة، وهو ما شكّل تهديدًا مباشرًا للبنية الأسرية والمجتمعية، وانتهاكًا صارخًا لحرمة النفس والأنظمة.
وبناءً على ما تقدم، ووفقًا لما نصّت عليه الشريعة الإسلامية في مثل هذه الحالات، قضت المحكمة بالحكم بالقتل تعزيرًا على كل من الجانية وشريكها، نظرًا لخطورة أفعالهما، والأثر العميق الذي تركته على الضحايا وأسرهم، ولما تمثله من تهديد للأمن العام وسلامة المجتمع، وتمت المصادقة على الحكم من محكمة الاستئناف، ثم المحكمة العليا، ليُرفع بعد ذلك إلى المقام السامي، الذي أصدر أمرًا ملكيًا بتنفيذه.
وفي بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية، أكّدت الجهات المعنية تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بحق الجانيين اليوم في المنطقة الشرقية، وذلك بعد استيفاء جميع الإجراءات النظامية والقضائية، وشدد البيان على أن المملكة لن تتهاون في مواجهة الجرائم التي تهدد أمن الأفراد واستقرار المجتمع، مؤكدة أن العدالة ستأخذ مجراها بحق كل من تسول له نفسه الاعتداء على الأبرياء أو انتهاك القيم الدينية والاجتماعية.
وتحمل هذه القضية بعدًا إنسانيًا واجتماعيًا عميقًا، نظرًا للمعاناة التي عاشتها العائلات التي حُرمت من أبنائها لعقود، وظنّت أن الأمل في لقائهم قد تبخّر، قبل أن تأتي نتائج الفحوص الوراثية لتعيد الحق إلى نصابه، وتُعد هذه السابقة واحدة من أبرز قضايا الاختطاف التي واجهتها المملكة، لتؤكد من جديد التزامها التام بتطبيق العدالة، وصيانة الحقوق، ومحاسبة كل من ينتهك القانون دون استثناء.