في مشهد مهيب شهدته مكة المكرمة مع مطلع العام الهجري الجديد، أتمت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي مراسم استبدال كسوة الكعبة المشرفة لهذا العام 1447هـ، في وقتٍ قياسي يعد هو الأسرع منذ اعتماد إجراءات التغيير السنوية، مما شكل نقلة نوعية في مستوى الأداء التشغيلي والتقني داخل أقدس بقاع الأرض.
وقد بدأت عملية التغيير في تمام الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل الخميس، غرة شهر المحرم، واستمرت حتى الساعة السادسة وأربعين دقيقة صباحًا من اليوم ذاته، لتسجل فرق العمل إنجازًا ميدانيًا غير مسبوق بفارق زمني بلغ أربع ساعات أقل من المعدل الزمني المعهود في الأعوام السابقة، مما لفت الأنظار إلى التطور اللافت في آليات العمل والتنفيذ.
إقرأ ايضاً:قرارات ملكية تعيد تشكيل خارطة التنمية في حائل وتزج برجال الأعمال في قلب القرارحساب المواطن يُفاجئ المستفيدين بإعلان نتائج دورة يوليو.. تحقق فوراً من أهليتك واستعد للدعم الجديد!
وهذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة لتخطيط دقيق بدأ منذ أشهر، استند إلى حزمة من المعايير الفنية والتنظيمية التي تم تطبيقها لأول مرة بهذا الشكل المتكامل، وكان لها الأثر المباشر في تقليص المدة الزمنية، ورفع كفاءة العمل الميداني إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ تغيير كسوة الكعبة.
وأوضحت الهيئة في بيانها الرسمي أن من أبرز الأسباب التي أسهمت في تسريع الإجراءات اعتماد خياطة مسبقة للجهات الأربع من الكسوة، باستخدام آلية محكمة تراعي قياسات الكعبة بدقة، مما قلل الزمن الذي كان يُستغرق في تنفيذ عمليات القياس والتثبيت أثناء اللحظة الفعلية للتغيير، ووفّر على الفرق الفنية الكثير من الجهد.
وشملت التحضيرات المسبقة أيضًا تجهيز الكعبة المشرفة نفسها، من خلال تحديد الحدين الأعلى والأدنى لحزام الكسوة بالشريط اللاصق، مما أتاح للفنيين سرعة التثبيت وتقليل الحاجة إلى قياسات دقيقة في الموقع، وهي خطوة أساسية ساعدت في اختصار زمن التنفيذ بشكل كبير.
كما تم تجهيز الحبال الخاصة برفع الكسوة مسبقًا، بعد تحديد الارتفاعات المناسبة بشكل دقيق وفقًا لقياسات فنية محددة، وهو ما سهّل على الفريق الفني الوصول إلى نقاط التثبيت على سطح الكعبة المشرفة بكل دقة وانسيابية، دون أي تأخير أو ارتباك في سير العمل الميداني.
ولم تغفل الهيئة عنصر التدريب المسبق، حيث تم تأهيل الكوادر الفنية قبل فترة كافية من موعد التنفيذ، مما منحهم قدرًا أكبر من الثقة والمهارة، وساعدهم على تنفيذ المهام بكل كفاءة واحترافية، وهو ما كان واضحًا في الأداء السلس والانضباط العالي طوال مراحل التغيير.
واعتمدت فرق العمل على تقنيات متطورة تم إدخالها لأول مرة في عمليات تغيير الكسوة، شملت أدوات رفع متقدمة ووسائل تثبيت حديثة، ضمنت سلامة جميع المراحل بدءًا من فك الكسوة القديمة وحتى تثبيت الجديدة، دون أي إخلال بجودة التنفيذ أو خصوصية الموقع المقدس.
وتعكس هذه الخطوة تطور المنظومة التشغيلية داخل الحرمين الشريفين، في إطار سعي القيادة الرشيدة -أيدها الله- إلى تعزيز الكفاءة والسرعة في تنفيذ المهام المرتبطة برعاية الكعبة المشرفة، بما يتناسب مع المكانة الرفيعة التي تحظى بها في قلوب المسلمين حول العالم.
وتعد الكسوة الجديدة، التي تتزين بخيوط الذهب والحرير، من أبرز الرموز الإسلامية، ويتم تصنيعها سنويًا بأيدي سعودية ماهرة في مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، الذي يُعد واحدًا من أهم المراكز العالمية في هذا المجال، ويضم نخبة من الخبراء والفنيين المتخصصين.
وقد شكّل الإنجاز هذا العام نموذجًا يُحتذى به في التكامل بين التخطيط المسبق والاحتراف الميداني، ما يجعل من عملية تغيير الكسوة عملية روحانية وفنية متكاملة، تعكس الإتقان والعناية التي تحظى بها الكعبة المشرفة في ظل دعم حكومي لا محدود وحرص على تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن.
وشهدت لحظات التغيير تفاعلًا واسعًا عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر المسلمون في شتى بقاع الأرض عن إعجابهم بالجهود المبذولة، مؤكدين أن هذه الصورة المشرفة تُجسد العناية الكبرى التي توليها المملكة العربية السعودية لأقدس مكان على وجه الأرض.
ورغم ما تتطلبه العملية من دقة ومهارة خاصة، فإن روح الفريق والالتزام التام من كافة المشاركين، شكلت أساس النجاح الذي تحقق، وهو ما أشار إليه عدد من المسؤولين داخل الهيئة بكونه إنجازًا يستحق الإشادة، ويدعو للفخر في كل موسم حج وعام هجري جديد.
وتُعد هذه المناسبة السنوية فرصة للتأكيد على مكانة الكعبة المشرفة في وجدان المسلمين، وتجديد مشاعر التقدير لهذا الرمز الإسلامي العظيم، الذي يمثل القبلة الأولى للمسلمين، ومهوى أفئدتهم، ومركز شعائرهم الدينية منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا.
وتواصل المملكة العربية السعودية عبر هذه الإنجازات التأكيد على دورها الريادي في خدمة الحرمين الشريفين، وتقديم أرقى معايير الرعاية والإشراف، مستندة إلى خبرات متراكمة، وقدرات بشرية وطنية أثبتت كفاءتها في أهم المهام الدينية واللوجستية ذات الطابع العالمي.
ولا شك أن ما تحقق هذا العام في زمن قياسي سيدفع الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى مواصلة التطوير، والعمل على ابتكار المزيد من الحلول الفنية والتقنية التي تليق بجلال الكعبة المشرفة، وتعزز تجربة ضيوف الرحمن في كل موسم.
وهذا الإنجاز يعكس الوجه المضيء للجهود السعودية في إدارة الحرمين، ويؤكد أن لكل عام هجري بداية خاصة في مكة المكرمة، حيث تلتقي الروح بالإتقان، ويتجدد مشهد العناية بالكعبة بما يليق بمكانتها الدينية والتاريخية لدى المسلمين جميعًا.