في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، تثبُت المملكة العربية السعودية مجددًا على موقفها الثابت الرافض للانجرار نحو التصعيد، مؤكدة أن الحلول العسكرية لا تشكل مخرجًا مستدامًا لأي أزمة، مهما بلغت تعقيداتها أو خطورتها، هذه السياسة السعودية الراسخة تعبّر عن نهج متوازن يسعى إلى حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، دون الانخراط في أية مواجهات غير محسوبة ومن هذا المنطلق، سارعت المملكة إلى إدانة الهجوم الإسرائيلي على إيران، معتبرةً ما جرى خرقًا صارخًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة.
وانتهاكًا صريحًا للأعراف الدولية التي تدعو إلى احترام الحدود وعدم اللجوء إلى العنف لحل الخلافات، هذا الموقف لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من المواقف السعودية الداعية إلى ضبط النفس وفتح قنوات الحوار في بيانها الرسمي شددت المملكة على ضرورة تدخل مجلس الأمن الدولي لوضع حد لهذا التصعيد الخطير، مؤكدة أن استمرار مثل هذه الاعتداءات يهدد بانزلاق المنطقة إلى دوامة جديدة من العنف، قد تتجاوز آثارها حدود الدول المتورطة بشكل مباشر، دعوتها الصريحة لم تكن فقط من باب التنديد، بل من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه المنطقة بأسرها.
إقرأ ايضاً:بـ 18 ساعة من الخدمة يوميًا.. طريقك إلى مسجد قباء أصبح أسهل من أي وقت!الليلة للحسم.. الأخضر الأولمبي يطارد المجد أمام فرنسا في نهائي تولون!
المملكة، التي لطالما نأت بنفسها عن أي دور في تأجيج النزاعات الإقليمية، أعادت في هذا السياق تأكيد التزامها بسياسة عدم الانحياز العسكري، معلنة رفضها التام لاستخدام مجالها الجوي في أي عمليات عسكرية قد تنطلق من أراضيها أو تمر عبر أجوائها، هذا الموقف الصارم يترجم موقفًا أخلاقيًا ودبلوماسيًا واضحًا، ويعبّر عن رغبة المملكة في أن تكون وسيطًا للحلول لا جزءًا من الصراع رفض المملكة السماح باستخدام أجوائها لأي عمليات عسكرية هو جزء من سياستها الخارجية الحذرة، التي تقوم على مبادئ السيادة والاستقلالية، وعلى أهمية عدم الدخول في تحالفات عسكرية ظرفية قد تؤجج التوتر بدلاً من احتوائه، هذه الرسالة تتجه بوضوح إلى كل الأطراف، مفادها أن الرياض تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتضع استقرار المنطقة فوق أي اعتبار آخر.
سياسة المملكة تعكس فلسفة واقعية تنأى بنفسها عن الاندفاعات الآنية، وتعتمد على البناء السياسي طويل الأمد، فهي لا ترى في الردود العسكرية سوى وقودًا لصراعات مفتوحة، بينما تؤمن بأن الحلول السياسية والحوار الدبلوماسي هما المساران الوحيدان القادران على كبح جماح الأزمات المعقدة والمتشابكة هذا الموقف يتماشى أيضًا مع الجهود السعودية التي بذلتها، وما زالت تبذلها في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، فالمملكة لعبت أدوارًا بارزة في مبادرات وقف إطلاق النار، وفي رعاية محادثات بين أطراف متنازعة، سواء في اليمن أو السودان أو لبنان، ما يجعلها اليوم رصيدًا دبلوماسيًا مهمًا في موازين القوى الإقليمية.
تصر المملكة على أن التصعيد بين إسرائيل وإيران لا يخدم سوى الأجندات المتطرفة، ويعرض أمن الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي لأخطار جسيمة، وهي تنبه باستمرار إلى أن أي صدام مباشر أو غير مباشر بين قوتين بهذا الحجم، ستكون له تداعيات تتخطى حدود الجغرافيا، لتطال مصالح الجميع دون استثناء ويُعَدّ الحياد السعودي الإيجابي في هذا الملف نموذجًا يُحتذى في زمن طغت فيه لغة السلاح على الدبلوماسية، فبينما يتسابق بعض الأطراف لتسجيل نقاط على حساب استقرار المنطقة، تختار الرياض طريق التهدئة، مدعومة بتاريخ من التوازن والحكمة والقرارات المدروسة الملفت في الموقف السعودي أيضًا، هو اتساقه مع مبادئ القانون الدولي، وتوجهات الأمم المتحدة، التي تؤكد على احترام سيادة الدول ورفض الاعتداء عليها بأي شكل، وبهذا، فإن السعودية لا تحمي فقط مصالحها، بل ترفع لواء الشرعية الدولية في وجه التعديات التي تهدد النظام العالمي.
وفي ظل صمت الكثيرين، يعلو صوت المملكة داعيًا إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، ومطالبًا الجميع بإعادة ضبط البوصلة نحو السلام، بدلًا من الغرق في دوامة انتقامات لا تنتهي، وهو صوت أصبح له وزن كبير على الساحة الدولية، نظرًا لما تتمتع به المملكة من ثقل اقتصادي وسياسي متنامٍ هذا الموقف السعودي الصارم ضد التصعيد لا يمنعها من أن تكون فاعلًا سياسيًا يشارك في الحلول، بل يعزّز من فرصها في أن تلعب دور الوسيط الذي يُؤتمن على مصالح الجميع، فهي تدرك أن أمن المنطقة هو مفتاح لاستقرار عالمي أوسع، وأن الحفاظ عليه مسؤولية جماعية لا تقبل التراخي ومع مضي الأيام، يبقى موقف المملكة شاهدًا على التوازن المطلوب في إدارة الأزمات الكبرى، وعلى قدرتها على الجمع بين الحزم والمرونة، وبين حماية السيادة والانفتاح على الشراكة مع المجتمع الدولي في كل ما يعزز السلم العالمي.