الحج، مكة، مدينة الملك عبدالله الطبية، إنقاذ حاج، القسطرة القلبية

من الحرم إلى غرفة العمليات.. سباق الزمن لإنقاذ حاج

كتب بواسطة: سالي حسنين |

لم يكن يدري أن لحظة الطواف التي أقبل فيها بقلبٍ ممتلئ بالرجاء والدعاء ستكون فاصلة بين الحياة والموت، لكنها كانت كذلك، لتصير أيضًا بوابة نحو معجزة طبية وإنسانية في قلب المشاعر المقدسة، ففي مكة المكرمة، وأثناء أدائه لطواف القدوم، توقف قلب حاج يمني فجأة، سقط مغشيًا عليه وسط الزحام والحر، ليهرع إليه طاقم طبي مدرب، ويخوض معه سباقًا مصيريًا مع الزمن في دقائق حملت كل احتمالات النهاية، لكنها انتهت ببداية جديدة.

في مدينة الملك عبدالله الطبية بالعاصمة المقدسة، لم تكن مجرد حالة طارئة أخرى، بل كانت لحظة اختبار لكل ما تمثله الرعاية الصحية السعودية من قيم إنسانية ومهنية عالية، الحاج الذي كان يعاني من ضعف شديد ومزمن في عضلة القلب، عانى من ارتباك حاد في إيقاع نبضاته، اختنق صدره واختل توازنه ثم توقف قلبه مرارًا، لتدخل حياته في دائرة الخطر. لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف، بل بداية قصة إنقاذ تحولت إلى رمز لقدرة الطب على صناعة الأمل.
إقرأ ايضاً:الذكاء الاصطناعي يقتحم غرف العمليات إنجاز غير مسبوق في مكة المكرمة!صفقات الهلال تتحوّل إلى "حيسي ديسي" الجماهير تشتعل سخرية بعد فشل أوسيمين!

الاستجابة السريعة من الكوادر الطبية لم تكن محض صدفة، بل ثمرة لجاهزية وخبرة منظومة صحية متكاملة تم تسخيرها لضمان أمن وسلامة ضيوف الرحمن، ما إن تم نقله حتى بدأ الفريق الطبي في تقييم الحالة بدقة وسرعة، وأظهرت الفحوصات أن الحاج يعاني من ارتجاع حاد في الصمام الميترالي، إلى جانب اضطراب كبير في النظام الكهربائي للقلب، وهو ما تسبب في توقف القلب أكثر من مرة خلال فترة قصيرة، الأمر الذي تطلب تدخلاً عالي التخصص لإنقاذ حياته.

بمهنية فائقة وقرارات دقيقة، قرر الأطباء إجراء عملية إصلاح متقدم للصمام باستخدام تقنية القسطرة ومشبك الصمام (Mitral Clip)، وهي من الإجراءات المتقدمة التي تتطلب خبرة كبيرة ودقة عالية، لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ تم كذلك زرع جهاز منظم لضربات القلب يعوّض الخلل الكهربائي ويعيد الاستقرار إلى النبض، في لحظات فارقة، استعاد القلب إيقاعه، وبدأت الحياة تعود إلى جسد كاد أن يستسلم نهائيًا.

بعد استقرار حالته الصحية، استعاد الحاج وعيه ليطرح السؤال الذي ظل يعتمل في صدره، سؤال لا يحمل فقط الألم، بل كل الرجاء: "هل سأكمل حجي؟ أم كُتب لي أن أتوقف هنا؟"، كانت كلماته مثقلة بالخوف والخذلان، غير أن الرد جاء من قلوب لا تعرف سوى الطمأنينة والعطاء، ومن فريق طبي لا يؤمن بالمستحيل، إذ قيل له: "بإذن الله ستكمل حجك.. لقد كتب الله لك الحياة"، لحظة إنسانية نادرة اختلطت فيها دموع الألم بدموع الفرح، وأصبح الحاج اليمني رمزًا للنجاة والمعجزة.

هذه القصة لم تكن مجرد واقعة طبية طارئة تم التعامل معها بكفاءة، بل مشهد حي يجسد التزام المملكة العربية السعودية برسالتها الإنسانية في خدمة حجاج بيت الله الحرام، حيث يتكامل العلم مع الرحمة، وتُترجم الخطط الطبية الطارئة إلى أفعال تنقذ الأرواح في أحلك الظروف، فمدينة الملك عبدالله الطبية لم تكن مجرد مستشفى في هذا المشهد، بل كانت طوق نجاة وسط الزحام، وجسرًا بين الخطر والطمأنينة.

ولعل الأهم في هذه القصة أن الحاج لم يُعامل كمريض فقط، بل كإنسان يحمل أمنية، وروحًا تتوق للتمام والاكتمال، فحظي برعاية فاقت العلاج، ووجد في الطاقم الطبي من يستمع إليه ويؤمن بحلمه ويعمل على تحقيقه، فالعناية هنا لا تتوقف عند حدود الأجهزة والتقنيات، بل تمتد إلى الكلمة الحانية، والنظرة المطمئنة، والإيمان بأن لكل مريض فرصة للحياة والتعافي مهما كانت حالته.

وفي موسم الحج الذي يشهد تدفق ملايين الحجاج من مختلف بقاع الأرض، تظل هذه القصص الإنسانية أكبر دليل على أن المملكة لا تنظر إلى الحج كمناسبة دينية فقط، بل كمسؤولية شاملة تتطلب أعلى درجات الاستعداد والاهتمام، وعندما يتحول الخوف إلى شفاء، واليأس إلى حياة، فإن الرسالة قد وصلت، والعطاء قد تحقق، والرحمة قد انتصرت على الألم.