في خطوة جديدة تمثل اندماجًا متقدمًا بين التكنولوجيا والعلوم المناخية، أعلنت شركة غوغل عن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر للتنبؤ بالأعاصير المدارية، بالتعاون مع المركز الوطني للأعاصير الأميركي، ضمن إطار جهود البحث والتطوير المشترك لاستكشاف آفاق جديدة في مجال التنبؤات الجوية.
ويأتي هذا التوجه في لحظة حاسمة يتزايد فيها الاهتمام العالمي بوسائل أكثر دقة للتنبؤ بالكوارث الطبيعية، خاصة مع تصاعد وتيرة التغير المناخي وتزايد شراسة الظواهر الجوية في السنوات الأخيرة.
إقرأ ايضاً:ولي العهد يناقش مع ماكرون وميلوني تصاعد التوتر الإيراني الإسرائيليبعد مسح شامل.. تأكيد رسمي: المملكة بعيدة عن أي تهديد نووي!
غوغل كشفت عبر ذراعها البحثي "غوغل ديب مايند" وبالتعاون مع "غوغل ريسيرش"، عن إطلاق موقع إلكتروني تفاعلي جديد تحت اسم "Weather Lab"، يُتيح للمستخدمين استكشاف نماذج الطقس المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
الموقع يُعد منصة بحثية تهدف إلى إظهار فعالية النماذج الجديدة التي تطورها الشركة، حيث يعرض مقارنة دقيقة بين نتائج الذكاء الاصطناعي والنماذج الفيزيائية التقليدية المستخدمة من قبل هيئات الأرصاد العالمية.
النموذج الجديد الذي كشفت عنه غوغل يمتاز بقدرته على إنتاج 50 سيناريو مختلفًا لمسار وحجم وشدة العاصفة، وذلك قبل وقوعها بما يصل إلى 15 يومًا، وهي قدرة تُعد ثورية مقارنة بالفترات الزمنية التي تتيحها النماذج التقليدية، ووفقًا لتقرير نشره موقع "The Verge"، فإن هذا التقدم قد يُحدث نقلة نوعية في طريقة الاستعداد والتعامل مع الأعاصير، سواء على مستوى الحكومات أو المجتمعات المحلية، التي تعتمد بشكل حاسم على التنبؤات الجوية لاتخاذ قرارات مصيرية.
وبالرغم من هذه الطفرة التكنولوجية، فإن غوغل لم تُغفل الإشارة إلى أن هذه النماذج لا تهدف إلى استبدال النماذج المعتمدة على الفيزياء بشكل كامل، بل تسعى إلى تعزيز دقتها وكفاءتها، خاصة في الحالات التي تتسم بالتعقيد والتغير السريع في العوامل المناخية، الورقة البحثية التي نشرتها غوغل، وإن لم تخضع بعد لمراجعة الأقران، تؤكد أن دقة النموذج الجديد لا تقل عن دقة النماذج التقليدية، بل تتفوق عليها في بعض الحالات، وفق نتائج تجريبية أولية.
أحد أبرز معايير تقييم أداء النموذج كان دقته في التنبؤ بمسارات الأعاصير خلال خمس أيام في منطقتي شمال الأطلسي وشرق المحيط الهادئ، حيث تبين أن توقعاته كانت أقرب للمسار الفعلي للعواصف بمعدل 140 كيلومترًا مقارنة بالنموذج الأوروبي للتنبؤات متوسطة المدى (ECMWF) خلال عامي 2023 و2024، هذه النتائج تمنح النموذج مصداقية علمية أولية، وتدفع باتجاه توسيع نطاق استخدامه في المستقبل.
الموقع التفاعلي الذي أطلقته غوغل يُتيح للمستخدمين فرصة اختبار النماذج ومقارنتها بالنماذج الفيزيائية المعروفة، في تجربة تعليمية تفتح الباب أمام الباحثين والعامة لاكتساب فهم أعمق لكيفية نشوء وتطور الأعاصير، ومدى فعالية أدوات الذكاء الاصطناعي في معالجتها، لكن غوغل شددت على أن الموقع لا يزال في طور البحث، ولا يُعتبر أداة رسمية للتنبؤات المعتمدة حتى الآن.
وقد اعتمدت غوغل في تدريب نموذجها الجديد على قاعدة بيانات "ERA5"، وهي واحدة من أكبر قواعد البيانات المناخية الأوروبية، وتضم مئات الملايين من الملاحظات التي جُمعت من وكالات الأرصاد الجوية حول العالم، وتُعد هذه البيانات حجر الأساس الذي سمح بتدريب النموذج بدقة عالية، خاصة بعد أن أثبتت النسخة السابقة من النموذج، والمعروفة باسم "GenCast"، تفوقها على النماذج التقليدية في أكثر من 97% من الحالات، وفقًا لما نشرته مجلة "Nature" العلمية في ديسمبر 2024.
بهذا التوجه، تُبرهن غوغل على أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على تطبيقات البيانات والبرمجيات، بل يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في التنبؤ بالكوارث الطبيعية وحماية الأرواح والممتلكات، شرط أن يتم تطويره وتطبيقه ضمن إطار علمي دقيق وتعاون وثيق مع الهيئات المختصة، المستقبل قد يشهد اندماجًا أكبر بين الإنسان والآلة في مواجهة تحديات الطبيعة، وغوغل تبدو على رأس هذا المسار المتسارع.