تيم لاب بلا حدود

في عيده الأول.. "أيقونة ثقافية" جديدة تحتفل بعام من النجاح في جدة.. فما هي؟

كتب بواسطة: سعد الحكيم |

في قلب جدة التاريخية، حيث تتقاطع الأزمنة وتتمازج الثقافات، يحتفل متحف "تيم لاب بلا حدود" بمرور عام كامل على افتتاحه كأول متحف دائم للفنون الرقمية في المملكة العربية السعودية، في يونيو 2024.

هذه الخطوة الجريئة مثلت عند انطلاقتها نقلة نوعية في مشهد الفن المعاصر السعودي، ليس فقط من حيث الفكرة أو التقنية، بل في الفلسفة التي تبناها المتحف والتي تقوم على إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والفن، والزمن والفضاء، حيث لا توجد لوحات جامدة أو مسارات محفوظة، بل تجربة حية تتشكل وتُعاد صياغتها باستمرار.
إقرأ ايضاً:هل يواصل الهلال مفاجآته في مونديال الأندية بعد إقصاء مانشستر سيتي؟المدرب العالمي لباريس يصل إلى نيوم.... الإعلان الرسمي خلال أيام!

ومنذ اللحظة الأولى لافتتاحه، نجح المتحف في استقطاب جمهور متنوع من أكثر من 25 جنسية، معظمهم من فئة الشباب وعشاق الفنون الرقمية، الذين وجدوا فيه ما يتجاوز حدود المتاحف التقليدية.

في "تيم لاب"، لا تقتصر التجربة على مشاهدة الأعمال، بل يندمج الزائر فيها ليصبح جزءًا منها، حيث تستجيب الأعمال لحركته، وتعيد تشكيل نفسها على إيقاع خطواته، كل زيارة تُعد مغامرة بصرية جديدة، لا تُشبه سابقتها، في عالم لا يستقر على شكل أو لون، بل يعيد خلق نفسه من جديد.

ويتميّز المتحف بانعدام وجود خريطة داخلية أو مسار محدد، ما يفسح المجال أمام الزائر لاكتشاف كل زاوية بإحساسه الخاص، هذه الطبيعة التفاعلية تُحطم الجدار التقليدي بين العمل الفني والجمهور، وتُحول الزائر من متلقٍ إلى مُشارك، بل ومؤثر في التكوين الفني ذاته.

ولهذا السبب، يعود الكثيرون مرارًا وتكرارًا، لأن كل مرة تمنحهم تجربة فريدة، تنبع من تغير الأعمال وتفاعلها مع اللحظة.

تتغير الأعمال الفنية داخل المتحف بانسجام مع إيقاع الزمن الطبيعي؛ فبعض التركيبات تتبدل شهريًا مثل عمل "تكاثر الحياة الهائلة" الذي يعرض زهورًا موسمية متغيرة، بينما تتغير "غابة المصابيح" و"أزهار في الشفافية اللانهائية" بحسب فصول السنة الأربعة، في تداخل دقيق بين التقنية والعناصر الطبيعية.

أما "ذاكرة التضاريس"، فيحافظ على طابعه البصري الثابت ظاهريًا، لكنه يتغير من الداخل، عبر تحولات خفية تمنح اللحظة بعدها العميق، وتُثير في الزائر دهشة مستمرة لا تهدأ.

متحف "تيم لاب بلا حدود" ليس مجرد فضاء للعرض، بل يمثل تجربة حسية ومعرفية متكاملة تدمج بين الفن والتكنولوجيا في شكلها الأقصى.

ويأتي ضمن توجه وزارة الثقافة السعودية في تحويل المواقع التاريخية إلى منصات للفن المعاصر، وهو ما يجعل من جدة التاريخية، المسجلة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، أكثر من موقع أثري، بل مختبرًا حيًّا للفكر الإبداعي.

هذه المقاربة تُجسّد تحولًا نوعيًا في التعامل مع الموروث الثقافي، بوصفه منطلقًا لاكتشاف المستقبل، لا مجرد وثيقة للماضي.

وتتماهى هذه التجربة مع أهداف رؤية السعودية 2030، في دعم الصناعات الإبداعية وتنويع أدوات الاقتصاد الوطني من خلال الاقتصاد المعرفي والإبداعي.

فالمتحف لا يُقدّم عروضًا جامدة، بل يُفعّل دور الفن كوسيلة لتحفيز التفكير والخيال، ويسهم في دعم حضور المملكة عالميًا في مجالات الفنون الرقمية والتكنولوجيا التفاعلية، إنه يعلن أن السعودية ليست فقط مستهلكًا للتقنية، بل بيئة حاضنة للابتكار الفني على أعلى المستويات.

وبينما تزداد أهمية الفنون الرقمية في العالم المعاصر، يرسّخ متحف "تيم لاب" مكانته كمركز للحوار البصري، ومختبر للحواس، ومنصة تعليمية غير تقليدية، حيث يختبر الزائر معنى أن يكون الفن حيًا، متجددًا، ومتغيرًا على الدوام.

هذه التجربة تُعيد صياغة مفهوم المتحف نفسه، ليصبح فضاءً حيًّا تتدفق فيه الإحساسات أكثر من المعلومات، وتتشكل فيه اللحظة أكثر من الرواية.

وفي عامه الأول، يؤكد المتحف أنه تجاوز فكرة العرض إلى مستوى المشاركة، متحولًا إلى أيقونة ثقافية ضمن مشهد فني سعودي آخذ في النمو والتنوع، ومع اتساع جمهور المتحف محليًا ودوليًا، وارتفاع نسبة الزوار العائدين، يبدو أن هذا الفضاء الرقمي سيبقى محورًا مهمًا في المشهد الثقافي السعودي، وواجهة لتجارب فنية لا تعرف الحدود.