في قفزة تقنية غير مسبوقة، كشف المعهد الكوري الجنوبي للعلوم والتكنولوجيات المتقدمة عن تطوير تكنولوجيا اتصالات ثورية تُعرف باسم "لاي فاي" (Li-Fi)، تعتمد على الضوء المرئي بدلًا من موجات الراديو التقليدية.
لتسجل سرعات نقل بيانات تصل إلى 224 غيغابت في الثانية، وهو ما يجعلها أسرع من شبكات "واي فاي" الحالية بأكثر من مئة مرة، هذا الابتكار العلمي الجديد يفتح الباب أمام جيل جديد من الاتصالات اللاسلكية فائق السرعة، ويعد بتغيير شامل في البنية التحتية الرقمية حول العالم.
إقرأ ايضاً:انطلاق تطبيق نظام "التأمين الاجتماعي" الجديد ..... بداية من هذا الموعد!هل يكسر الهلال "عقدة غوارديولا"؟.. "مواجهة نارية" أمام خصم لم تهتز شباكه أمام العرب أبداً
الاختراق الذي حققه الباحثون الكوريون يرتكز على استغلال نطاق ضوئي واسع يمتد بين 400 و800 تيراهرتز، ما يجعل هذه التقنية غير خاضعة لقيود الطيف الترددي المزدحم الذي تعاني منه شبكات الواي فاي.
وبفضل ذلك، تتمتع تقنية "لاي فاي" بمقاومة استثنائية للتداخل، مما يجعلها أكثر استقرارًا وأمانًا، خاصة في البيئات الحساسة تقنيًا كالمستشفيات والمنشآت الأمنية ومراكز القيادة.
على عكس ما كان يشكّل عائقًا في السابق أمام تقنيات الإرسال الضوئي، نجح الفريق الكوري في التغلب على مشكلات الأمان التقليدية المتعلقة بسهولة التقاط الإشارات، عبر منصة ذكية تقوم بتحويل البيانات إلى إشارات ضوئية مشفرة تلقائيًا، دون الحاجة إلى أجهزة حماية إضافية أو أدوات تشفير مستقلة.
وهو ما يجعلها مثالية للاستخدام في البيئات التي تتطلب سرية وأمانًا عاليين، مثل التطبيقات العسكرية أو نظم التحكم الصناعي.
يعتمد هذا النظام الجديد على باعث ضوء متطور ثلاثي الكفاءة، يستخدم نقاطًا كمومية صديقة للبيئة ومستقرة، تنتج إشعاعًا ضوئيًا شديد السطوع يبلغ 29,000 نيت، وهي درجة سطوع تتجاوز بعشر مرات سطوع شاشات OLED المستخدمة في الهواتف الذكية والتلفزيونات الحديثة.
هذا الأداء الضوئي الهائل لا يساهم فقط في تحسين كفاءة الإرسال، بل يفتح أيضًا آفاقًا لتطبيقات مستقبلية في مجال الشاشات التفاعلية عالية السرعة، والاتصالات بين الآلات.
ووفقًا لما أظهره التحليل الكهربائي الضوئي العابر الذي أُجري ضمن الدراسة، فإن نبضات كهربائية دقيقة بطول لا يتجاوز مئات النانوثانية تقوم بتضمين البيانات في الإشارات الضوئية باستخدام تقنية جديدة تُعرف باسم "التضمين الضوئي ثنائي القنوات".
وهي طريقة فائقة السرعة تتيح إرسال واستقبال البيانات في اتجاهين بفعالية عالية، مع تقليل زمن الكمون إلى أدنى مستوياته الممكنة.
وأوضح البروفيسور تشو هيون تشانغ، أحد رواد المشروع، أن التقنية الجديدة تمثل كسرًا للحواجز المفاهيمية التي طالما حدّت من تطور تقنيات الاتصالات اللاسلكية، مشيرًا إلى أن “لاي فاي” ليست فقط أسرع، بل أكثر أمنًا وكفاءة في استهلاك الطاقة.
وهو ما يؤهلها لتكون الخيار الأمثل لمستقبل المدن الذكية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وشبكات الحساسات الدقيقة.
وتتوقع الأوساط التقنية أن تُحدث هذه التقنية نقلة نوعية في مجالات كثيرة تتجاوز الاتصالات المنزلية أو المكتبية، لتشمل أنظمة النقل الذكية، والطائرات، والسفن، والمصانع المؤتمتة.
فمع إمكانية إرسال البيانات بسرعة الضوء، دون تأثر بالإشارات اللاسلكية الأخرى أو الحواجز الجدرانية، تصبح "لاي فاي" البديل الفعلي لأي بيئة تبحث عن سرعة وكفاءة عالية في الاتصال، لا سيما مع التوسع المتوقع في شبكات الجيل السادس (6G).
وبينما تُظهر هذه التقنية الواعدة بداياتها من مختبرات كوريا الجنوبية، إلا أن آثارها مرشحة لأن تطال البنية التقنية العالمية، خاصة إذا ما دعمتها الجهات الصناعية الكبرى، وتم تبنيها من قبل الشركات المصنعة للهواتف وأجهزة التوجيه والمنصات الذكية.
في المستقبل القريب، قد لا نحتاج إلى شبكات واي فاي تقليدية، بل يكفي أن يُضاء المصباح حتى يتصل الجهاز بالإنترنت، بسرعة الضوء وبأمان لم يكن ممكنًا من قبل.