في خطوة جديدة تعكس حرص المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على تعزيز دور المتقاعدين في الحياة المجتمعية بعد انتهاء مسيرتهم العملية، أطلقت المؤسسة مبادرة نوعية تهدف إلى فتح آفاق جديدة أمام فئة المتقاعدين عبر إشراكهم في مجالات العمل التطوعي، وذلك من خلال استشارة عامة تسعى إلى استطلاع آراء هذه الشريحة الواسعة حول المجالات الأنسب لاستثمار طاقاتهم وخبراتهم في أنشطة تخدم التنمية الوطنية.
وتأتي المبادرة التي انطلقت في التاسع والعشرين من يونيو الماضي ضمن إطار رؤية استراتيجية أوسع تتبناها المؤسسة، وتركز على تمكين الكفاءات الوطنية التي أنهت سنوات طويلة من العمل والخبرة، وتحويل تلك الخبرات المتراكمة إلى قيمة مضافة داخل المجتمع، من خلال قنوات تطوعية تتيح لهم مواصلة العطاء بطريقة منظمة وفاعلة.
إقرأ ايضاً:
السجن 15 عاماً وغرامة مليون ريال.. "الداخلية السعودية" تطلق "أقسى" تحذيراتها لمن يقوم بهذا الفعلرقابة مالية صارمة .... رابطة دوري المحترفين تفرض سيطرتها المالية!وتستمر الاستشارة العامة لمدة ثلاثين يومًا عبر منصة “تفاعل” التابعة لمنظومة المشاركة الإلكترونية، وتهدف إلى رصد توجهات وآراء المتقاعدين بشكل مباشر، بما يضمن تصميم برامج تطوعية قائمة على الاحتياج الفعلي والتوجهات الواقعية لهؤلاء الأفراد الذين ما زالوا يملكون طاقات معرفية ومهنية يمكن أن تسهم في إثراء المجتمع بمختلف قطاعاته.
وتتضمن الاستشارة أربعة محاور رئيسية تمثل المجالات المقترحة للعمل التطوعي، وهي التعليم والتدريب، والعمل الخيري والإنساني، والتقنية والتحول الرقمي، إضافة إلى مجال البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وهي قطاعات تعد من بين الأعمدة الأساسية لرؤية المملكة 2030، وتحتاج باستمرار إلى كوادر ذات كفاءة وخبرة يمكنها المساهمة في تحقيق أهدافها بكفاءة عالية.
وأكدت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن هذه المبادرة تعكس إيمانها العميق بأهمية إشراك جميع فئات المجتمع، وفي مقدمتهم المتقاعدون، في عمليات البناء والتنمية المستدامة، باعتبار أن التقاعد لا يعني نهاية العطاء، بل يمكن أن يكون بداية مرحلة جديدة من المشاركة المجتمعية ذات الطابع التطوعي والموجه لخدمة الوطن والمواطن.
ويُنتظر أن تسهم هذه الخطوة في خلق مناخ صحي يدعم فكرة التقاعد النشط، ويحول مفهوم التقاعد من حالة من الركود إلى فرصة للإبداع والمساهمة، كما أنها تعزز من التواصل بين المؤسسة وعملائها المتقاعدين بشكل تفاعلي يتيح لهم أن يكونوا جزءًا من صناعة المبادرات، وليس فقط متلقين للخدمة.
وتعتبر مجالات التعليم والتدريب من أكثر المسارات التي يُتوقع أن تستقطب المتقاعدين، خصوصًا أولئك الذين مارسوا مهامهم في ميادين تعليمية أو إشرافية، حيث يمكن أن يسهموا في تدريب الكوادر الشابة أو تقديم استشارات نوعية في مجالات تخصصهم، بما يسهم في رفع كفاءة الكوادر الوطنية.
كما يفتح المجال الإنساني والخيري آفاقًا واسعة أمام المتقاعدين الراغبين في تقديم العون والمساندة للفئات المحتاجة، وهي أدوار تعكس روح التضامن المجتمعي، وتسهم في مد جسور الدعم الإنساني، خاصة في ظل تزايد المبادرات المجتمعية التي تحتاج إلى عناصر خبيرة تستطيع إدارة وتنفيذ البرامج الخيرية باحترافية ومسؤولية.
أما مجال التقنية والتحول الرقمي، فيوفر للمتقاعدين من ذوي الخبرة في المجالات التقنية الفرصة لمشاركة تجاربهم في دعم التحول الرقمي بالمجتمع، سواء من خلال التدريب أو الاستشارات، في وقت تشهد فيه المملكة تسارعًا كبيرًا في الرقمنة، وتتطلب الحاجة إلى موجهين ومشرفين قادرين على دفع عجلة التحديث في المؤسسات المختلفة.
وفي الجانب البيئي، تبرز أهمية إشراك المتقاعدين في جهود الحفاظ على الموارد الطبيعية والتوعية البيئية، حيث يمكن أن يلعبوا دورًا فعالًا في مبادرات التشجير أو التوعية بأهمية الترشيد البيئي، إضافة إلى المساهمة في مشروعات ذات طابع بيئي مستدام، مما يعكس وعيًا بيئيًا وطنيًا متناميًا في ظل التحديات البيئية العالمية.
وبحسب ما أعلنته التأمينات الاجتماعية، فإن المرئيات التي سيتم جمعها من خلال هذه الاستشارة ستُدرس بعناية، وستُعتمد كمرجع رئيسي لتصميم برامج عمل تطوعية تراعي اهتمامات المتقاعدين، وتتيح لهم الانخراط في أنشطة تنموية حقيقية بالتعاون مع جهات متعددة تسهم في دعم هذا التوجه المجتمعي الجديد.
ويُعد هذا التحرك خطوة غير مسبوقة في المملكة على مستوى إشراك المتقاعدين في مسارات تطوعية منظمة، وهو ما قد يفتح الباب أمام تشريعات مستقبلية تعزز هذا الدور، وتدمج العمل التطوعي ضمن منظومة التقاعد النشط الذي يشكل جزءًا مهمًا من أنماط الحياة العصرية.
ولاقت المبادرة تفاعلًا إيجابيًا واسعًا من قبل المهتمين، الذين أبدوا ترحيبهم بالفكرة، معتبرين أن استثمار المتقاعدين في العمل التطوعي هو بمثابة رد جميل لتلك الفئة التي قدّمت سنوات طويلة من الخدمة، وتستحق اليوم أن تكون في صميم حركة التنمية، لا على الهامش.
كما أن هذا التوجه يدعم الجهود الحكومية نحو تعزيز العمل التطوعي في المملكة، خاصة أن رؤية 2030 تستهدف رفع عدد المتطوعين إلى مليون متطوع سنويًا، وهي أهداف لا يمكن تحقيقها دون الاستفادة من كافة الموارد البشرية المتاحة، وعلى رأسها المتقاعدون الذين يملكون مؤهلات وخبرات متنوعة.
وبينما تستمر الاستشارة العامة حتى نهاية شهر يوليو الجاري، يتوقع أن يتم الإعلان لاحقًا عن نتائجها والمبادرات التي سيتم إطلاقها بناء على ما ورد من مقترحات، وهو ما يترقبه الكثير من المتقاعدين والمهتمين بالمجال التطوعي، باعتبار أن هذه الخطوة قد تكون البداية لمنظومة جديدة من المشاركة الفعالة بعد التقاعد.