تواجه شركة جوجل أزمة قانونية جديدة داخل الاتحاد الأوروبي بعد تصعيد رسمي قاده عدد من أصحاب المواقع المستقلة الذين قدّموا شكوى يتهمون فيها عملاق التكنولوجيا بانتهاك قوانين المنافسة من خلال خاصية "مطالعات الذكاء الاصطناعي" التي تُدمج في نتائج محرك البحث.
هذه الميزة التي أطلقتها جوجل مؤخراً تُعد من أكثر مشروعاتها طموحًا، إذ تهدف إلى تقديم ملخصات فورية تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتمنح المستخدم إجابات مباشرة دون الحاجة للنقر على الروابط أو زيارة المواقع الأصلية التي أتى منها المحتوى.
إقرأ ايضاً:
الهلال السعودي ينجح في حسم صفقة نارية من الدوري الإيطاليالسعودية: ضوابط واشتراطات جديدة لعربات الطعام (فود ترك)لكن ما يبدو ابتكارًا تقنيًا من وجهة نظر المستخدمين، يُنظر إليه من قبل الناشرين والمواقع المستقلة كتهديد وجودي، إذ تعتمد تلك المواقع بشكل رئيسي على عدد الزيارات كمصدر للدخل عبر الإعلانات أو الاشتراكات، وهو ما يتأثر مباشرة عند تقليل النقرات.
الشكوى التي رُفعت للجهات التنظيمية في أوروبا تركز على أن جوجل تعيد عرض محتوى هذه المواقع دون إذن صريح أو تعويض مادي، بل وتعيد تغليفه في صيغة مختصرة تجعل القارئ يحصل على المعلومة من صفحة البحث دون العودة للمصدر.
هذا التحول في سلوك المستخدم يعني أن المواقع التي كانت تستفيد من ترتيبها في نتائج البحث باتت غير مرئية فعليًا من حيث الأثر الاقتصادي، ما يهدد توازن سوق النشر الرقمي ويخلق فجوة بين منتجي المحتوى ومنصات توزيعه.
ويقول الناشرون إن جوجل تلتهم المحتوى ثم تعيد تقديمه في شكل آلي جذّاب لكنها بذلك تُضعف قدرة المواقع المستقلة على الاستمرار، حيث يُحرمون من العوائد التي يحتاجونها للبقاء وتقديم محتوى عالي الجودة، مما يضر بالتنوع الإعلامي والمصادر المفتوحة.
هذه ليست المرة الأولى التي تجد فيها جوجل نفسها في مرمى الجهات التنظيمية الأوروبية، فقد خضعت سابقًا لغرامات بسبب ممارسات تتعلق بالاحتكار في سوق البحث والإعلانات، لكن هذه القضية تتعلق بمستوى أعمق يرتبط بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
الجهات المشتكية تطالب المفوضية الأوروبية بفتح تحقيق موسع لتحديد مدى توافق ميزة مطالعات الذكاء الاصطناعي مع قوانين المنافسة، كما تدعو إلى وضع ضوابط تحمي الحقوق الرقمية للناشرين وتضمن عدم استخدام المحتوى دون مقابل.
ويرى مراقبون أن هذه القضية قد تفتح بابًا لنقاش أوسع حول الطريقة التي يُفترض أن تتعامل بها تقنيات الذكاء الاصطناعي مع المحتوى المنشور على الإنترنت، خاصة المحتوى المحمي بحقوق النشر والذي يُستخدم في تدريب الخوارزميات أو تغذية أنظمة التلخيص الآلي.
القرار الذي قد يصدر في هذا النزاع لا يتعلق فقط بجوجل، بل من المحتمل أن يرسم مستقبل العلاقة بين شركات الذكاء الاصطناعي ومنتجي المحتوى في العالم الرقمي، خصوصًا في ظل التسارع الكبير لاعتماد هذه التقنيات في محركات البحث ومنصات المعرفة.
الجدل يدور حاليًا حول من يملك "ثمن المعلومة" في زمن الذكاء الاصطناعي، فبينما يرى الناشرون أنهم أصحاب الحق في مقابل نظير إنتاجهم، تطرح جوجل ومنصات مشابهة تصورات جديدة حول مفهوم الوصول المجاني والسريع للمعلومات عبر أنظمة ذكية.
وبينما تواصل جوجل تحسين تجربتها للمستخدمين عبر منحهم إجابات فورية، تتصاعد المخاوف من أن هذا التوجه قد يخلق نموذجًا اقتصاديًا لا يُراعي حقوق المبدعين والمواقع الصغيرة التي لا تملك القدرة على مجابهة العمالقة التقنيين قانونيًا أو تجاريًا.
ويتوقع أن يكون لهذا النزاع تأثيرات عميقة على صناعة النشر الرقمي، خاصة في أوروبا التي تسعى لفرض تشريعات تحمي المحتوى المحلي وتوازن النفوذ المتزايد لمنصات التكنولوجيا الكبرى على المشهد المعلوماتي والاقتصادي.
ومع تصاعد هذه القضايا، يتجه المشرعون في بروكسل إلى إعادة تقييم آليات تعويض صنّاع المحتوى الذين تُستخدم أعمالهم لتغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يؤدي إلى إنشاء أطر قانونية جديدة تُلزم الشركات بمشاركة الأرباح أو دفع رسوم استخدام.
وقد يتحوّل هذا النزاع إلى مرجعية قانونية للعديد من الدول التي تحاول موازنة حقوق الملكية الرقمية مع تطورات الذكاء الاصطناعي، مما يجعل قرارات الاتحاد الأوروبي في هذا السياق محورية في رسم ملامح المستقبل الرقمي.