الجامعات السعودية

"ابنتي تبعد 600 كم" و"توائمي في 3 مناطق".. قصص "معاناة" حقيقية لأسر سعودية بسبب القبول الجامعي

كتب بواسطة: رانية كريم |

في قلب الجدل الدائر حول مستقبل التعليم العالي في المملكة، يبرز نظام القبول المركزي الموحد كسيف ذي حدين، يحمل في طياته مزايا تنظيمية، ولكنه يخفي تحديات إنسانية واجتماعية كبيرة.

فعلى الرغم من أن المنصة تهدف إلى تسهيل إجراءات القبول وتحقيق العدالة، إلا أن تطبيقها العملي كشف عن واقع مؤلم، يتمثل في تشتيت آلاف الطلاب والطالبات بعيدًا عن مناطقهم وأسرهم.

إقرأ ايضاً:

اشتراطات صحية جديدة.. السعودية تحظر استخدام البيض الطازج في تحضير المايونيز لحماية المستهلكمدينة جازان الصناعية تعلن.. التسجيل مفتوح الآن في ورش مهنية معتمدة داخل أكاديمية جازان

هذا الوضع أثار موجة من الانزعاج والقلق في أوساط أولياء الأمور، وأعاد طرح سؤال جوهري، حول ما إذا كان التوزيع الجغرافي العشوائي يخدم العدالة، أم يربك استقرار الأسر نفسيًا واقتصاديًا.

وتشير الأرقام إلى أن عدد الطلاب في الجامعات السعودية يتجاوز المليون وثلاثمئة ألف طالب وطالبة، لكن نظام القبول الموحد تسبب في تشتيت أعداد كبيرة منهم خارج مدنهم.

ويقول خالد الشمري، وهو والد طالبة، إن قبول ابنته جاء في جامعة تبعد ستمئة كيلومتر عن منزلهم، مما اضطر الأسرة لتحمل تكاليف سكن ونقل إضافية تستنزف أكثر من ثلاثين بالمئة من دخلها.

أما سلمان حميد الشمري، فيرى أن النظام أهدر فرصة القرب الأسري والتوجيه المباشر، موضحًا أن ابنه الوحيد يعيش الآن في منطقة بعيدة، دون أي قريب أو سند عائلي.

وتصف نورة الحمد، وهي والدة لثلاثة توائم، التجربة بـ "المرهقة نفسيًا وماديًا"، حيث تجد نفسها مضطرة لمتابعة أبنائها في ثلاث جامعات مختلفة، تقع في ثلاث مناطق متباعدة.

هذه الشهادات الحية يؤكدها الخبراء والمختصون، حيث يرى الباحث في علم النفس ماجد الطريفي، أن هذا النمط من القبول يشكل خطورة على طلاب السنة الأولى الجامعية.

ويوضح الطريفي أن هذه المرحلة العمرية الحرجة تتطلب إشرافًا أسريًا ونفسيًا مباشرًا، وأن الغربة المبكرة قد تؤدي إلى مشاكل كالقلق والانعزال، أو الانخراط في سلوكيات سلبية.

ومن جانبه، يضيف الباحث في علم الاجتماع عبدالله البقعاوي، أن إجبار الأسر على إرسال أبنائها لمناطق بعيدة، يخلق فجوة اجتماعية متسارعة، ويضعف الترابط الأسري.

ويؤكد البقعاوي أن القبول الموحد بصيغته الحالية، لا يراعي الجغرافيا السكانية، ولا الطبيعة المحافظة للمجتمعات المحلية، ويفرض تحديات تفوق طاقة الكثير من الأسر.

وهذه المشكلة ليست حكرًا على المملكة، فالتجارب العالمية تكشف عن تحديات مشابهة، ففي البرازيل مثلاً، أدى نظام القبول المركزي إلى ارتفاع هجرة الطلاب بين الولايات وزيادة العبء المالي.

وفي هولندا، أظهرت دراسات من جامعة أوترخت، أن الطلاب الذين يدرسون بعيدًا عن أسرهم، يعانون من نسب أعلى من الحنين إلى الوطن والقلق النفسي والعزلة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، خلصت دراسة تابعت الطالبات في أسابيع الجامعة الأولى، إلى أن أربعة وتسعين بالمئة منهن شعرن بأعراض الغربة والانفصال الأسري.

كل هذه الأدلة والتجارب، المحلية والعالمية، تضع وزارة التعليم أمام مسؤولية كبيرة، لإعادة النظر في آلية القبول الموحد المتبعة حاليًا.

وتتطلع الأسر السعودية إلى أن تستجيب الوزارة لمطالبها، وتجري تعديلاً على النظام، يمنح الأولوية المطلقة لقبول الطالب والطالبة في جامعات مناطقهم الأصلية.

فالهدف الأسمى يجب أن يكون تحقيق التوازن بين كفاءة النظام الإداري، وبين الحفاظ على الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للأسرة السعودية، التي تعد نواة المجتمع.

الأكثر قراءة
آخر الاخبار