في ساحة معركة هادئة، يقف سعر الذهب اليوم في حالة من التوازن الدقيق، حيث يخوض صراعًا صامتًا بين قوتين عالميتين متعاكستين، انعكست نتيجته على شكل استقرار شبه كامل في أسعار المعدن النفيس داخل أسواق المملكة العربية السعودية اليوم الجمعة.
فمن جهة، تقف قوة الدولار الأمريكي وسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي كقوة ضغط كبرى، تسعى لكبح جماح الذهب وتجريده من بريقه، حيث إن أي مؤشر على قوة الاقتصاد الأمريكي قد يدفع الفيدرالي إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
إقرأ ايضاً:
اشتراطات صحية جديدة.. السعودية تحظر استخدام البيض الطازج في تحضير المايونيز لحماية المستهلكمدينة جازان الصناعية تعلن.. التسجيل مفتوح الآن في ورش مهنية معتمدة داخل أكاديمية جازانوعلى الجانب الآخر من ساحة المعركة، تقف المخاطر الجيوسياسية المستمرة في العالم كدرع حامٍ للذهب، حيث يلجأ المستثمرون إلى المعدن الأصفر كملاذ آمن ومخزن للقيمة في أوقات عدم اليقين، مما يخلق طلبًا مستمرًا يمنع الأسعار من الانهيار.
إن نتيجة هذا الصراع المحتدم هي ما يراه المستهلك والمستثمر اليوم، حالة من الجمود الحذر، حيث سجل سعر جرام الذهب من عيار 21، الأكثر شعبية في المملكة، مستوى 351.72 ريال سعودي، وهو سعر يعكس هذا التوازن بين القوتين.
وفي ظل هذا المشهد، يترقب الجميع الآن وصول "سلاح كسر التعادل"، والمتمثل في تقرير الوظائف للقطاع غير الزراعي في الولايات المتحدة، والذي سيصدر في وقت لاحق اليوم، ليكون هو الحكم الذي سيرجح كفة إحدى القوتين على الأخرى.
فبيانات هذا التقرير ستحمل في طياتها إشارات واضحة حول مسار السياسة النقدية الأمريكية، وبالتالي ستحدد اتجاه كل من الدولار والذهب في الفترة المقبلة، لتنتهي بذلك حالة الاستقرار الحالية، وتبدأ موجة سعرية جديدة.
وعلى صعيد بقية العيارات، شهدت الأسعار استقرارًا مماثلاً، حيث بلغ سعر جرام الذهب من عيار 24، المخصص للسبائك الاستثمارية، حوالي 401.96 ريال، بينما استقر سعر جرام عيار 18 عند مستوى 301.47 ريال.
ويمثل هذا الهدوء فرصة للمشترين بغرض الاستهلاك الشخصي أو الهدايا، حيث يمكنهم اتخاذ قراراتهم الشرائية بوضوح، بعيدًا عن فوضى التقلبات السعرية الحادة التي قد تشهدها الأسواق في الأوقات الأخرى.
بينما يفضل المستثمرون المحترفون في مثل هذه الظروف التزام الحذر، ومراقبة المشهد عن كثب، حيث إن الدخول إلى السوق في هذه المرحلة من التوازن قد يكون محفوفًا بالمخاطر، في انتظار اتضاح الاتجاه العام بعد صدور البيانات.
ويؤكد الخبراء والمحللون الماليون أن أسواق المعادن الثمينة ستبقى رهينة للأخبار القادمة من واشنطن، وأن كل كلمة في تقرير الوظائف سيتم تحليلها بعناية شديدة، لاستنباط التأثير المحتمل على قرارات البنك المركزي الأمريكي.
إن أسعار الذهب التي نراها في المتاجر المحلية ما هي إلا مرآة مباشرة لسعر الأونصة العالمي، وأي تغيير يطرأ هناك، سواء بالصعود أو الهبوط، سينتقل تأثيره بشكل فوري ومباشر إلى السوق السعودية.
لقد تحولت جلسة اليوم إلى ما يشبه فترة استراحة بين جولتين من معركة كبرى، حيث يلتقط كل طرف من أطراف السوق أنفاسه، استعدادًا للجولة التالية التي ستنطلق مع صدور الأرقام الاقتصادية الحاسمة.
في المحصلة النهائية، يمكن القول إن سوق الذهب ليس هادئًا، بل هو مشحون بالترقب، وإن الاستقرار الذي نشهده ما هو إلا تعادل مؤقت بين قوى اقتصادية وجيوسياسية كبرى، في انتظار إشارة البدء التي ستطلق العنان للحركة القادمة.