في مشهد مهيب يعكس عمق العلاقات المصرية الروسية وتقدير موسكو للدور المصري الإقليمي والدولي، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، في العرض العسكري الضخم الذي أُقيم بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار في "الحرب الوطنية العظمى" والذي جرت فعالياته في الساحة الحمراء بالعاصمة الروسية موسكو، وذلك بدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وجاءت مشاركة الرئيس السيسي في هذا الحدث العسكري والسياسي البارز، الذي يُعد من أهم الفعاليات السنوية في روسيا، لتؤكد مرة أخرى على المكانة التي تحظى بها مصر على الساحة الدولية، وعلى خصوصية العلاقات الثنائية بين القاهرة وموسكو، فقد حظي العرض العسكري هذا العام بحضور عدد محدود ومختار من قادة الدول، وهو ما يعكس أهمية دعوة الرئيس السيسي لهذا الحدث الفريد.
وقد استُقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي بحفاوة بالغة من قبل القيادة الروسية، حيث كان الرئيس فلاديمير بوتين في مقدمة مستقبليه، مؤكدًا على عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي تمتد لسنوات طويلة من التعاون في مختلف المجالات، لا سيما العسكرية والاقتصادية.
وفي لفتة رمزية تعكس الاحترام والتقدير، جلس الرئيس السيسي في الصفوف الأمامية بجانب عدد من القادة المشاركين في العرض، ما عكس بوضوح مكانة مصر ودورها في المعادلة الإقليمية والدولية، وقد استعرض العرض العسكري نماذج متنوعة من القدرات الدفاعية الروسية الحديثة، بالإضافة إلى التذكير ببطولات الجيش السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية.
وعقب انتهاء فعاليات العرض العسكري، شارك الرئيس السيسي في مأدبة الغداء الرسمية التي أقامها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تكريمًا للقادة والرؤساء المشاركين في الاحتفال، وشهدت المأدبة تبادلًا لوجهات النظر حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية، إضافة إلى تأكيد متبادل على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التعاون بين مصر وروسيا في كافة المجالات.
تمثل هذه الزيارة رسالة دبلوماسية قوية على عدة مستويات، فمن ناحية، فإنها تُظهر حرص القيادة المصرية على تعزيز أواصر التعاون مع مختلف القوى العالمية، بما فيها روسيا التي تمثل فاعلًا محوريًا في العديد من الملفات الدولية، ومن ناحية أخرى، فإنها تعكس إدراك موسكو لأهمية مصر كقوة إقليمية ذات تأثير متزايد في قضايا الشرق الأوسط وأفريقيا.
ولم تخلُ المناسبة من أبعاد رمزية ذات دلالة، إذ إن مشاركة مصر في هذه الذكرى ذات الطابع التاريخي والعسكري تعيد التأكيد على القيم المشتركة بين الشعبين المصري والروسي في الانتصار على قوى الفاشية والنازية، وعلى ضرورة التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية الجديدة، مثل الإرهاب والنزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي.
ومن المنتظر أن تُسفر هذه الزيارة عن دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصًا في مجالات الطاقة، والتصنيع، والتكنولوجيا، والتعليم، فضلًا عن التنسيق السياسي في الملفات الإقليمية الساخنة، وعلى رأسها الأوضاع في الشرق الأوسط، والتطورات الجارية في القارة الأفريقية.
وقد سبق للرئيسين السيسي وبوتين أن التقيا في مناسبات متعددة خلال السنوات الماضية، كان آخرها عبر لقاءات قمة ثنائية وأخرى على هامش المنتديات الاقتصادية والسياسية، مما يعكس حرص الجانبين على الحفاظ على قنوات التواصل الفعال والمستمر.
تجدر الإشارة إلى أن العلاقات المصرية الروسية شهدت خلال العقد الأخير تطورًا ملحوظًا على مختلف الأصعدة، لا سيما بعد توقيع العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية، من أبرزها مشروع إنشاء محطة الضبعة النووية، وزيادة التعاون في مجال الأمن الغذائي والاستثمار، فضلًا عن التعاون العسكري والتدريبات المشتركة بين الجانبين.
وتُعد مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات النصر بموسكو تتويجًا لمسيرة من العلاقات الوطيدة بين القاهرة وموسكو، وإشارة قوية على متانة الشراكة بين البلدين، والتي تمتد جذورها إلى عقود طويلة، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى اليوم.