في إنجاز رقمي هائل يعيد تعريف مفهوم الإجراءات القضائية، كشفت وزارة العدل السعودية عن إرسالها لما يزيد على أحد عشر مليون وثمانمئة ألف رسالة تبليغ إلكترونية خلال النصف الأول فقط من عام 2025.
هذا الرقم القياسي لا يمثل مجرد إحصائية، بل هو شهادة على نجاح التحول العميق نحو الأتمتة الكاملة، وتجسيد لثقة متنامية في البنية الرقمية الصلبة التي أرستها الوزارة على مدار السنوات الماضية.
إقرأ ايضاً:
من السعودية إلى الصومال ... مياه نظيفة وإغاثة كريمة لآلاف النازحين بالصومال!عاجل: دعم سعودي جديد للمتعثرين والمستحقين عبر منصة ايجارلقد أصبح التبليغ الإلكتروني هو القاعدة الأساسية للتواصل مع أطراف الدعاوى، منهيًا بذلك حقبة طويلة من الاعتماد على الأساليب الورقية التقليدية، وما كان يصاحبها من هدر في الوقت والتكاليف والموارد.
واعتمدت الوزارة في تحقيق هذا الإنجاز على منظومة متكاملة، تتصدرها البوابة الموحدة للخدمات العدلية "ناجز"، التي تعمل كمركز تحكم رئيسي لجميع المعاملات والخدمات القضائية الرقمية.
وإلى جانب بوابة ناجز، تم تفعيل قنوات اتصال متعددة لضمان وصول التبليغ بشكل فوري، شملت الرسائل النصية القصيرة، وإشعارات البريد الإلكتروني المربوطة بشكل آمن مع قواعد البيانات الحكومية.
إن هذا التحول في منظومة التبليغات يتجاوز كونه مجرد تحديث تقني، ليعكس رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى بناء نظام عدالة يتسم بأعلى درجات الكفاءة والشفافية والموثوقية.
فالتبليغ الإلكتروني يضمن وصول المعلومة بشكل فوري وموثق إلى الطرف المعني، دون أي مجال للتأخير أو الخطأ البشري، مما يعزز من سرعة دوران عجلة العدالة في المحاكم.
وحرصت الوزارة على أن يشمل النظام كافة أنواع التبليغات القضائية بلا استثناء، بدءًا من إشعارات مواعيد الجلسات، ومرورًا بطلبات التنفيذ، وانتهاءً بمواعيد الاستئناف والإخطارات الرسمية الأخرى.
الميزة الأهم في هذا النظام هي الأثر الرقمي الموثق الذي يتركه خلفه، حيث يسجل النظام وقت إرسال الرسالة، ووقت استلامها، وحتى لحظة فتحها من قبل الطرف المعني.
هذه الموثوقية العالية تحصن العملية القضائية ضد أي محاولة للإنكار أو التحايل، وتمنح القاضي اليقين القانوني اللازم للمضي قدمًا في إجراءات الدعوى دون الحاجة لتأجيلات متكررة.
ومن اللافت أن ما تم إنجازه في ستة أشهر فقط، يعادل تقريبًا ما كان يتم إنجازه في عامين كاملين خلال المراحل السابقة، وهو ما يوضح حجم القفزة الهائلة التي تحققت بفضل التقنية.
وقد انعكس هذا التطور بشكل مباشر على أداء المحاكم، التي شهدت انخفاضًا غير مسبوق في نسب تأجيل الجلسات بسبب عدم حضور الأطراف، بعد أن ضمنت المنظومة وصول التبليغات للجميع.
هذا الإنجاز الضخم لم يأت من فراغ، بل هو نتاج استثمار طويل ومدروس في البنية التحتية الرقمية، وتدريب متواصل للكوادر العدلية، وتحديثات تشريعية أقرت الوسائل الإلكترونية كأداة تبليغ رسمية.
كما تم تعزيز قوة النظام عبر ربطه بمنصات وطنية موثوقة مثل "أبشر" و"توكلنا"، لضمان أقصى درجات الدقة في بيانات التواصل، وسرعة التفاعل مع الأطراف المعنية بالقضية.
لقد أتاحت هذه المنظومة خدمة قضائية متكاملة تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وحررت المتقاضين من عبء زيارة المحاكم، ووفرت عليهم الوقت والجهد بشكل كبير.
ويأتي كل ذلك ضمن الإطار العام لرؤية المملكة 2030، التي وضعت التحول الرقمي للقطاع العدلي على رأس أولوياتها، بهدف الوصول إلى منظومة قضائية رائدة عالميًا.
وبينما تتجه الأنظار نحو تجاوز حاجز العشرين مليون رسالة بنهاية العام، فإن الطموح الأكبر يكمن في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتقديم خدمات عدلية أكثر دقة وسرعة.